”النسـوية”.. وتناقضات الإشكالية!
بدأ استخدام مصطلح (النسوية) فى الكتابات العربية فى تسعينيات القرن العشرين، بينما كان عنوان كتاب "ملك حفنى ناصف" سنة 1910، هو "نسائيات"، وعالجت فيه قضايا "تحرير المرأة"، والآن يشيع مصطلح "الجندر" أى الجنوسة التى تهتم بوضع النساء فى المجتمع وفى السلطة والقرار، وإذا كانت حركة تحرير المرأة قد هيمنت عليها قضايا أضحت تقليدية، مثل الحجاب، وتعدد الزوجات، والعمل خارج المنزل، والإسهام فى النشاط العام؛ فإن هدف النسوية هو "صياغة المعرفة بين التأنيث والتذكير".
ولا يمكن فهم هذا المصطلح دون فهم السياق العام لوضع المرأة فى العالم العربى والإسلامى الذى يختلف من دولة لأخرى، ولا أحد ينكر التطور الكبير الذى طرأ على وضع المرأة فى العالم الإسلامى بشكل عام خلال الأعوام الأربعين الأخيرة، يدل على ذلك زيادة نسبة تمدرس الفتيات، وانخفاض معدلات الإنجاب، وهو ما مكن المرأة من الالتحاق بسوق العمل فى الكثير من الدول المسلمة.
ماذا نقصد بالنسوى؟ وهل النسوى هو المضاد للأبوى؟ ...، وإذا كان هناك كتابة نسوية فهل هناك كتابة ذكورية؟ .. إن النسوية توجه فكرى لا علاقة له بالبيولوجى، أى بالجنس (ذكر أم أنثى)، فالأمر لا يعنى أن كل نص صادر عن امرأة هو بالضرورى نص نسوى.
لقد عانت المرأة المسلمة فترة عصور الانحطاط فى ظل الاستعمار الأوروبى، وما فرضته تلك الوضعية من تجهيل وكبت لدورها بحجة المحافظة على القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد، وهذه الأخيرة التى ربما كانت أحد الأسباب الرئيسية فى تخلف المرأة المسلمة وتهميشها، وكذلك الخوف الذى أصاب المجتمع المسلم من احتكاك المرأة بالمجتمع الغربى الدخيل وتأثيره عليها، وتظهر صورة المرأة العربية مبهمة ومشتتة فى أغلب الأحيان، فالنظرة التقليدية للمرأة فى جسدها وأنوثتها هى قدرها والتى تحدد مصيرها.
كما أن العلاقة بين الجنسين فى المجتمع المسلم، تقوم على مجموعة من الركائز منها المكانة الدونية للمرأة ضمن المفاهيم السطحية للمجتمع، وجهل كلٍّ من الجنسين للآخر نتيجة سلسلة طويلة من المفاهيم الاجتماعية المتعلقة بالمحرمات وتبعية المرأة، واعتمادها اقتصاديًا على الرجل فى أغلب الأحيان، وطبيعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى لم تعرف النمو بسبب عمليات التفاعل، بل تتطور فى ظل عوامل خارجية.
وكذلك مقاومة الرجل ورفضه لكل ما من شأنه أن يؤدى إلى ضياع الامتيازات، التى يتمتع بها على المستوى الشخصى، أو فى مجال الأسرة والنظام الاجتماعى العام، وفى سبيل ذلك استعمل الرجل العادات والتقاليد والمعطيات الدينية، كمرتكزات أساسية لرفض هذا التقدم، وتبقى المرأة مسلوبة وسط الجماعة، بالإضافة إلى أنها توصف بالضعف وباقى الصفات السلبية التى صبها عليها التراث الثقافى العربى.
فمثلًا نجد (العقاد) يصف المرأة بالضعف والقهر والخيانة والشر ونقص العقل والقصور عن الحكم على الأشياء بموضوعية، ولكن بالرغم من هذه الظروف المجحفة التى كانت تحيط بالمرأة فإنه كان يظهر من وقت إلى آخر من يعترف بأهميتها كإنسان، مثل المفكر العربى (ابن رشد) الذى أورد خطابًا فى هذا الصدد حيث قال: "إن حالتنا الاجتماعية تتطلب ألا نطيح بكل ما يعود علينا بمنافع المرأة، فهى فى الظاهر صالحة للحمل والحضانة فقط، وما ذلك إلا لأن حالة العبودية التى أنشأناها على نسائنا، أتلفت مواهبهن العظيمة وقضت على مواهبهن العقلية، فحياة النساء تنقضى كما تنقضى النباتات فهن عالة على أزواجهن، وقد كان ذلك سببًا فى شقاء المدن وهلاكها"، ومن هنا يتبين أن (ابن رشد) يرى أن فقر عصره وشقاءه يرجع إلى كون الرجل يمسك المرأة لنفسه، بدلًا من المشاركة فى إنتاج الثروة المادية والفكرية، وهذا يوضح أن المرأة المسلمة وحتى يومنا هذا تعيش تناقضات إشكالها الوجودى، فهى عندما تلمس وترًا محررًا لقضية من قضاياها التاريخية الكبرى، تواجه عقبات وحواجز اجتماعية، بل إن حتى المرأة الناجحة فى ميدان من الميادين يقوم نجاحها تقويمًا بعيدًا عن الواقع.
ورغم أن المرأة العربية حصلت على نصيبها من التقدم فى المستويات الاجتماعية، والاقتصادية، والتعليمية، فى بعض البلدان العربية، لكن هذا التقدم لم يغير من نظرة المجتمع إليها، فخروج المرأة من حياة الانعزال ودخولها إلى المؤسسات التعليمية، والمهنية لم يغير من صفتها أو نظرة المجتمع إليها ككائن ضعيف قاصر وظيفتها الأمومة، والتبعية، وهذا ما جعلها قاصرة عن مجابهة تحديات التغير والاستمرار، وتستسلم لما فرضه المجتمع عليها.
إن الإسلام أعطى للمرأة كامل الاعتبار والصلاحية مثلها مثل الرجل، وإذا كان التاريخ قد سجل لها مواقف شريفة ومساهمات فعالة، فإن صفتها داخل المجتمع تتأرجح بشكل أبدى بين مؤيدين ومعارضين.
إذن فإن أى مجتمع إذا أراد الرقى فلابد أن يخلق توازنًا مجتمعيًا تلعب فيه المرأة إلى جانب الرجل دورًا طلائعيًا، يمكن أن يبوئها مكانة تستحقها وتتماشى مع وظيفتها ودورها داخل المجتمع، إلا أن هذه المعركة رهينة بمدى قدرة المرأة نفسها على التحرر من مجموعة من التابوهات التى رسمت حولها.. فالنسوية الإسلامية تقوم على نصوص من القرآن الكريم ونصوص دينية أخرى، وهى ليست نتاجًا مستوردًا من الغرب أو الشرق.