في ذكرى سقوطها.. «جِئنَا لِبَغْدَادَ» قصيدة لدكتور مضر سليمان الحلي
جِئنَا لِبَغدَادَ نَشْكُو الهَمَّ وَالأَلمَا فَسِحْرُهَا العَذْبُ يُطفِي الوَجْدَ وَالضَّرَمَا
بَغدَادُ يَا بَلسَمًا يَشْفِي الجُروحَ الَّتِي أَعْيَتْ بِتَطبِيْبِهَا الآسِينَ وَالحُكَمَا
بَغْدَادُ يَا نَسْمَةً لِلرُّوْحِ مُنعِشَةً أَزْرَتْ بِطِيْبِ شَذَاهَا العِطرَ وَالنَّسَمَا
بَغْدَادُ يَا قِبلَتِي فِي كُلِّ نَازِلَةٍ مَنْ لِي سِوَاكِ وَهَذَا الوَجْدُ قَدْ عَظُما؟
أَرَى الدُّمُوعَ بِعَيْنَيْكِ فَيُؤلُمنِي قَلبِي الجَرِيْحُ فَهَا قَدْ شَبَّ وَانْحَطَمَا
بَغدَادُ أَنْتِ لهَذَا الكَونِ تَاجُ عُلًا فَالشَّرقُ وَالغَرْبُ كَانُوا كُلُّهُمْ خَدَمَا
كُفِّي الدُّمُوعَ وَخَلِّي عَنْكِ مَوجِدَةً فَمَا مَضَى قَدْ مَضَى فِي شَرِّهِ انْصَرَمَا
بَغْدَادُ عَلَّمْتِنَا لِلصَّبْرِ مَنْزِلَةً لَا يَرتَقِيهَا سِوَى أَمْثَالِكِ العُظَمَا
الأمُّ أَنْتِ وَكُلُّ الخَلْقِ قَدْ عَرَفُوا مِنْكِ السَّمَاحَ لِـمَنْ قَدْ جَارَ أَو ظَلَمَا
أَعْطَيْتِ حَتَّى الأَعَادِي، مَا مَنَعْتِ يَدًا وَكُنْتِ أَنْتِ لَهُمْ حِصْنًا وَمُعْتَصَمَا
حَتَّى إذَا مَا تَعَالَى شَرُّهُمْ وَمَضَوا فِي غيِّهِمْ وَاسْتَثَارُوا العَزْمَ وَالهِمَمَا
جَاءَتْ غَوَائِلُهمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ زَحْفًا إلَيْكِ بِشَرٍّ يَهتِكُ العِصَمَا
يَقُودُهُمْ وَالهَوَى لِلشَّرِّ حِقْدُهُمُ وَلِلفُجُوْرِ اسْتَبَاحُوا الحِلَّ وَالحَرَمَا
شَرِيْعَةَ الغَابِ قَدْ صَارَتْ شَرِيْعتُهُمْ وَصِرْتِ أَنْتِ لهُمْ أُكْلًا وَمُغْتَنَمَا
تَرْمِيهِمُ بِزُهُوْرٍ مِنْكِ يَانَعَةٍ وَيَقذِفُونَ عَلَيْكِ النَّارَ وَالحِمَمَا
بَغْدَادُ يَا مِشْعَلًا تَزْهُو السَّماءُ بِهِ هَذَا سَنَاهُ أَنَارَ العُرْبَ وَالعَجَمَا
بِكِ اسْتَنَارَتْ جَمِيعُ الأَرْضِ فِي أَلَقٍ مِنْ نُورِ وَجْهِكِ وَامْتَاحَتْ بِهِ دِيَمَا
مَنْ ذَا يُدَانِيكِ يَا بَغْدَادُ مَنزِلَةً وَمَنْ تُرَى شَامَ عَليَاكِ وَإنْ حَلَمَا؟
هُمُ الصَّعَالِيْكُ إنْ قَامُوا وَإنْ قَعَدُوا لَمْ يُدرِكُوا مِنْ أُمُورِ الخَلْقِ مُحتَكَمَا
إنْ حَوَّلُوهَا دُوَيْلاتٍ وَانْظِمَةً بِالأَمْسِ كَانَتْ قُرًى لَا تَفْقَهُ القِيَمَا
لَمْ يَعْرِفُوا مِنْ حُدُوْدِ اللهِ مَا وَجَبَتْ طَاعَاتُهُ بَلْ وَلَـمَّا يَفْقَهُوا كَلِمَا
إنْ عَاشَتِ اليَومَ فِي زَهْوٍ وَفِي نِعَمٍ مِنْكِ اسْتَقَتْ هَذِهِ الآلاءَ وَالنِّعَمَا
واليَومَ جِئنَا لإخوَانٍ نُشَارِكُهُمْ هَذِي الهُمُومَ وَنَجلُو الغَمَّ وَالسَّقَمَا
وَنَرْتَجِي مِنْهُمُ حَزْمًا يُقَرِّبُنَا لِبَعْضِنَا وَنَشُدُّ العَزْمَ وَالهِمَمَا
لَعَلَّنَا مِنْكِ نَلْقَى رَغْبَةً وَرِضًا تِلْكَ المُنَى إنْ رِضَاكِ بِالسُّرُورِ هَمَا
بَغْدَادُ إنَّا بَنُوكِ الرَّاغبُونَ لِـمَا يُرضِيكِ مِنَّا وَإنْ كَانَ الجَوَابُ دَمَا