الذكاء الاصطناعى.. معين للمبدع أم للصوص الفكر؟!
د. نادر عبدالخالق: عمل يتنافى مع طبيعة الأدب وجوهره فالمشاعر لا تصطنع
أمل سالم: استحالة القضاء عليها وذائقة القارئ تكتشف الفرق بين الإنسانى والاصطناعى
أيمن الداكر: هذا تطوير لأسلوب قديم، إذ كان بعضهم يسخّر مَنْ يكتب له الشعر والمقالة
المصطفى الصغوسى: المواجهة عبر برامج ذكاء اصطناعى تكشف الزيف والانتحال
عادل البعينى: الذكاء الاصطناعى لا يصنع مبدعًا، ولا بد من سن قوانين حازمة
رامى الدماطى: يمكن أن يكون مفيدًا للمؤلفين لتكملة أعمالهم وتحسينها.. ولكن!
سالم أشرف: جامعات عالمية تستخدم تقنيات اصطناعية تفحص الرسائل العلمية المقدمة
محمد أبوزيد: لا نحتاج إلى قانون جديد، نحتاج فقط لتفعيل القانون الحالى
بقدر سعادتنا بالتقدم العلمى الذى يسر أمورًا كثيرة كان انجازها يحتاج منا وقتًا طويلًا، وأتاحها لنا الذكاء الاصطناعى فى دقائق معدودة، بقدر ما يزعجنا سوء استخدام هذا الذكاء من بعض مدعى الأدب والفكر، الذين فى ظل غياب الضمير والانفلات الأخلاقى استغلوا الذكاء الاصطناعى فى كتابة مقالات أدبية لهم أو قصص أو دراسات نقدية يزيلوها بأسمائهم، وكأنها من إبداعهم وبنات أفكارهم لينتموا زورًا لأهل الأدب.
ومثل هؤلاء يحتاجون يجب كشفهم وبترهم من حياتنا الفكرية والثقافية والأدبية، ومحاسبتهم على اسغلالهم الذكاء الاصطناعى فى السطو على إبداعات غيرهم وتحويرها لوضع أسمائهم عليها، وعبر السطور التالية تناقش "سماء عربية" هذه القضية مع عدد من الأدباء والنقاد واختصاصيى الذكاء الاصطناعى، لمعرفة تصوراتهم حولها وكيفية القضاء عليها وتجريمها.
استهل الناقد د. نادر عبدالخالق الحديث بقوله إن عملية استغلال الذكاء الاصطناعى فى كتابة الأدب شعرًا ونثرًا وفكرًا، تتنافى مع طبيعة الأدب وجوهره، لأن العاطفة إحدى جناحى الأدب مع الفكر، فيمكن للذكاء الاصطناعى أن يقلد ويكرر، لكنه لن يبتكر شعورًا وعاطفة غير موجودة، وبسهولة يمكن كشف هؤلاء حينما نحاول رد الفكر لمصدره، ونحاول البحث عن العاطفة والرمز، ونحدد أركان الصورة التعبيرية داخل النص، عندئذ يمكننا كشف ملابسات الفكرة والدلالة، والوقوف على حقيقة التجربة.
والتصدى لهؤلاء ممكن عن طريق الصدق النقدى والفكرى، ومراعاة الأصول التى تفرق بين كاتب وأخر، وبين فكر وفكر، كما كان يفعل القدماء، بل وعن طريق الذكاء الاصطناعى نفسه إذا استطعنا توظيفه كما يجب وكما يتفق مع طبيعة الفن، فإنه لا يخلو أبدًا من سيطرة العقل البشرى الذى يوجهه ويطلقه فى اتجاهات مختلفة، ويستطيع العقل البشرى أن يحد منه ومن تأثيره إذا أراد، كما يمكن للعقل البشرى أن يوظف الذكاء الاصطناعى نفسه لكشف ملابسات الفكر، وتقدير عملية الاقتباس والتقليد، وهنا يمكن وضع حد للتطابق وألا يكون مطلقًا عامًا، أما التحريم والتجريم فليس بمجد فى بلادنا العربية التى تنتهك فيها الحقوق الفكرية ويعتدى على الملكيات التعبيرية جهارًا نهارًا ولا حياة لمن تنادى..!
ويؤكد الكاتب أمل سالم استحالة القضاء على هذه الظاهرة فى كتابة المقالات الصحفية والنقدية، وبعض مناحى الابداع كالرواية والقصة القصيرة والشعر، إلا أن المتمرس على القراءة فى أى من هذه الأنواع، سيدرك بذائقته الفرق بين المنتج الثقافى الإنسانى وذلك القائم على التقنية الاصطناعية؛ الأول قائم على جهد ومثابرة ودراسة وثقافة حقيقية، الأخير قائم على معطيات من البيانات ومحاولات لتوظيفها.
هذه الظاهرة مثل ظواهر عديدة ستظل فترة وتستخدم بكثرة، وسيحاول أشباه المبدعين وأنصاف المثقفين الإبقاء عليها واستخدامها، لكنها ستضمحل وسرعان ما تعرف طريقها للزوال؛ كون مثل هذه الظواهر الجافة لن تنتج "العجوز والبحر" كما أبدعها هيمنجواى، ولا "الإخوة كرامازوف" كما صورها ديستويفسكى، ولا "العطر" كما هذبه زوسكيند، ولن تجرأ على كتابة ديوان شعر واحد يستشعره القارئ، حيث لا يمكن لغائب الضمير أو منفلت أخلاقيًا، أو كاره للغة أن يبدع ويجمّل الحياة، فلا يعنينا الأمر طالما أن جماعة من "ميديوكر" حاولوا قدر استطاعتهم وفشلوا، لأنهم سيفشلون بالفعل؛ ولا حاجة لنا بقوانين تجرم هذه الظاهرة، التى هى بالفعل تستحق أن يطلق عليها: "حيلة العجزة".
ويكشف الكاتب أيمن الداكر أن هذا تطور لأسلوب قديم، إذ كان بعضهم يسخّر مَنْ يكتب له المقالات أو حتى الإبداع الأدبى، وينسبه لنفسه بمقابل مادى، ولم تكن هناك عقوبة لعدم تقدم المتضرر بالشكوى، لكنهم كانوا مفضوحين فى الأوساط الأديبة والثقافية، وقد يحوزوا الاحترام فى العلن - غالبيتهم أصحاب مناصب وسلطة - لكنهم طرفة المجالس فى السر، والآن جاءتهم الفرصة ليفعلوا ذلك بالمجان.
أن افتضاح أمرهم مع الذكاء الاصطناعى لن يكون صعبًا، سوف تتشابه الكلمات والجمل والأفكار، وربما نجد بعض المقالات وكأنها (كوبى - بيست)، وعندها سيكون عقابهم تجاهل وتنمر من القراء، ولا أظن أن سن القوانين سيفيد كثيرًا، فالقوانين الرادعة موجودة، ولكنها لم تحم الملكية الفكرية للمبدعين لأسباب عديدة.
ويرى الناقد المغربى المصطفى الصغوسى أن الأدب والإبداع الإنسانى أصبح أمام تحديات وجودية، مع ما تعد به التطورات السريعة والمتلاحقة لما يعرف بالذكاء الصناعى، والذى سيعمل بشكل أكيد على محو الذكاء البشرى ويحل محله.. فما نراه حاليًا من القدرات الواعدة وغير المحدودة لهذا الذكاء ليس إلا بداية، ويصعب تكهن ما ستصير عليه مستقبلًا قريبًا وبعيدًا..
يضيف: ناقوس الخطر قد دق أمام الإبداع والمبدعين، وباب الأدب أصبح مشرعًا أمام التدليس والانتحال والتلفيق، بشكل يصعب معه تمييز الأصل عن نسخه الكاربونية، التحدى كبير والرهان ما يزال مطروحًا بخصوص تحصين الملكية الفكرية، من خلال التوعية بخطورة هذا الفعل التدميرى للإبداع الإنسانى، وضرورة تجريم كل عملية سطو على ملكية الآخرين الفكرية، والتفكير أخيرًا فى برامج ذكاء اصطناعى تعمل على كشف الزيف والانتحال، وعلى حماية الملكية الفكرية مثلما هو جار به العمل فى الملكية الصناعية, فى الشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى.
يجب تجريم الفعل ورفعه إلى مستوى الجريمة، وبالتالى إمكانية الترافع من أجل تشديد العقوبات.
ويحذر الكاتب والناقد السورى عادل نايف البعينى من كونها ظاهرة خطيرة وقاتلة للإبداع الأدبى. تفرز مندسين على الأدب، من خلال ما يعرضه الكاتب الفاشل من كتابة مصطنعة عبر هذا البرنامج، ولست واثقًا من نجاح هذا الاستغلال، ولا أعتقد أن الذكاء الاصطناعى قادر أن يصنع كاتبًا، فالكاتب الحقيقى يصنع نفسه من خلال إبداعاته، ولن يكون من العسير كشف المندسين وفضحهم، من خلال متابعة المسيرة الأدبية لكل أديب أو مدّعٍ للأدب، والمقارنة بين ما كتب سابقًا وما اصطنعه اصطناعًا.
ولا بد من السعى لسن قانون تجريم فعّال، ومعاقبة كلّ من تثبت عليه جريمة الكتابة الأدبية عبر برامج الذكاء الاصطناعى، والتى باتت فى متناول الكثيرين، وبتصورى سيعانى من يستغل هذه البرامج الكثير، عندما يحاول ضبط ما أقترحه على البرنامج. وهنا سيبدو للقارئ جليًا الأديب الحقيقى من المتأدب المستغل للذكاء الاصطناعى، وسيبقى الأدب الصافى والنقى من شوائب هذا الطارئ الجديد، متألقًا معطاءً ثابتا على خشبة مسرح الأدب.
إما اختصاصى تقنيات الذكاء الاصطناعى والميتافيرس الإماراتى م. رامى الدماطى، فيقول: إن الذكاء الاصطناعى يظهر إمكانية إنتاج أعمال أدبية، تنافس فى بعض الحالات أعمال الكتاب البشر، مما يبرز التقدم فى مجال الكتابة المدعومة به، ويمكن أن يكون مفيدًا للمؤلفين لتكملة أعمالهم وتحسينها، واستكشاف أفكار جديدة وتوسيع حدود الأدب، لكنه مع ذلك يخلق تحديات أخلاقية وقانونية، مثل سرقة أعمال أدبية وانتهاك حقوق الطبع والنشر، إذ يمكن للأعمال المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعى، استعارة عناصر من أعمال أخرى دون إذن من مبتكريها.
ومن أجل حماية حقوق المؤلفين والتعامل بمسؤولية مع التكنولوجيا، على الوسط الأدبى المشاركة فى مناقشة شاملة، لتحديد كيفية دمج الذكاء الاصطناعى بطريقة أخلاقية، وينبغى على المشرعين والناشرين والمؤلفين والباحثين العمل معًا، لوضع اطر تنظيمية وقواعد أخلاقية تحمى حقوق الطبع والنشر، وتعزز التعاون الأخلاقى بين الإنسان والآلة، واتباع بعض الإجراءات مثل التحقق من هوية الكتّاب، والمحتوى المنشور واستخدام أدوات تحليل النصوص لاكتشاف المندسين.
ويمكن تطبيق القوانين واللوائح لمحاربة التزوير الأدبى والاحتيال الفكرى، ومقاطعة الأعمال الأدبية المزورة، وتوثيق الأحكام الصادرة ضد المتجاوزين، ونشرها كجزء من تشجيع النقاش العام حول هذه القضية، هذه الخطوات المشتركة يمكن أن تسهم فى مواجهة التحديات الأخلاقية والقانونية المتعلقة بالذكاء الاصطناعى فى المجال الأدبى.
ويشير المخرج والباحث فى مجال الذكاء الاصطناعى سالم أشرف إلى أن بعض الجامعات العالمية بدأت فى استخدام أدوات تفحص الرسائل العلمية المقدمة، وتفندها وتحدد الأجزاء المولدة بالذكاء الاصطناعى منها، ويرى أن انتشار هذه الأدوات، لدى الجهات الصحفية والثقافية والمهتمة بالأدب أسوة بالجهات الأكاديمية مهم، ويساعد على ضبط الموضوع، ومكافحة التزييف الطارئ لمجال الأدب ومكافحة المدعين.
ويعتبر المحامى والشاعر محمد أبو زيد أن استخدام بعضهم للذكاء الاصطناعى، سواء كان بوضع صوت لمطرب لم يقم أصلا بغناء تلك الكلمات أو هذا اللحن، أو فى كتابة نصوص أو مقالات أدبية أو قصص أو روايات أو مسرح أو حتى دراسات نقدية ثم يزيلوها بأسمائهم وكأنهم هم أصحاب العمل الإبداعى، بمثابة تعدٍ على حقوق ملك الغير والمؤلف الأصلى، ويخالف لقانون الملكية الفكرية الذى أعطى لصاحب العمل الابداعى وحده فقط حق تداوله واستغلاله، ومنع أى تداول له دون الحصول على موافقة من صاحب العمل الابداعى، وأعطى للمؤلف وحده فقط الحق فى منع اى تعديل قد يطرأ على عمله الابداعى، بشكل يعتبره صاحب العمل الابداعى إساءة له ولعمله، فى قوانين الملكية الفكرية المادة (١٤٢ ) والمادة ١٤٧ ويعد تصرفًا مخالفًا للقانون ومعاقبا عليه.
يضيف لا نحتاج إلى قانون جديد، نحتاج فقط لتفعيل القانون الحالى، وتثقيف المبدع قانونًا ليعلم ماله وما عليه من حقوق والتزامات، وعلى كل صاحب حق أن يتمسك بحقه ويطالب به ولا يتهاون فيه، وعلى الجهات المعنية نشر ثقافة حقوق الملكية الفكرية للرأى العام، ليكون لدى المجتمع ثقافة احترام حق المؤلف وعدم الاستهانة به.