محاصر بين الغلاء واستغلال الناشرين ومنافسة الإلكترونى له
الكتاب الورقى هل فقد عرشه؟
د. حسن دبا: تبدلت مفاهيم الناشرين وصار المال وليس قيمة الكتاب معيار النشر
محمد شمروخ: تراجع دور الدولة دفع الثقافة بعامة للوقوع تحت سيطرة السوق
د. عيد صالح: الكتاب يدفع ثمن تضخم الجهاز الإدارى بدور النشر الحكومية
هالة محمود: الإقبال على كتب الأطفال والعلمية والدينية، ثم الرواية والقصة، وتقهقر الشعر
د. مجدى صالح: قارئ اليوم يفضل الكتاب الإلكترونى، ليصل لأى مكان بكبسة زر
سالم شويعر: غلاء الكتب أدى لانخفاض معدل القراءة والشراء والبحث عن الأرخص
عصام كباشى: للقراءة الورقية متعة خاصة، لكن الكتاب الإلكترونى أرخص وأيسر
انطلقت أمس الدورة الـ 55 لعرس القاهرة الثقافى، معرض القاهرة الدُولى للكتاب، وتستمر حتى 6 فبراير القادم، تحت شعار "نصنع المعرفة… نصون الكلمة"، ويحتفى المعرض هذا العام بمملكة النرويج ضيف شرف الدورة، الـتى تشارك ببرنامج ثقافى كبير، يضم مجموعة من كُتّابها ومبدعيها، لتعريف العالم العربى بالثقافة النرويجية، واختارت اللجنة الاستشارية العليا للمعرض، عالم المصريات الدكتور سليم حسن، ليكون شخصية المعرض، ورائد أدب الطفل، يعقوب الشارونى، ليكون شخصية معرض الطفل.
ومعارض الكتاب حالة ثقافية صحية تزيد أهميتها الفعاليات المصاحبة لها، ولها دور مؤثر فى نشر القراءة عموما والأدب على وجه الخصوص، إلا أن غلاء أثمان الكتب أدى لتقلص الشراء، وانصراف الناس إلى قديم سور الأزبكية عن جديد دور النشر، بخاصة أن دور النشر الحكومية ذات الأسعار المعقولة لا تستوعب كل الإصدارات وخفضت اسهاماتها.. "سماء عربية" التقت على هامش المعرض بعدد من الكُتاب والناشرين، لإستطلاع آرائهم حول الكتاب بصفة عامة وأزمة الكتاب الورقى وبروز الكتاب الإلكترونى وكانت هذه السطور.
ابتدرنا الكاتب والأكاديمى د.حسن على دبا بقوله: معارض الكتاب فى ظل تعامل الأجهزة المعنية مع الكتاب كسلعة لا تستحق الوقوف معها بأية إعفاءات، تحولت إلى مهرجانات أكثر منها معارض للكتاب، وحتى اللقاءات المثمرة بين الكاتب والجمهور أصبحت مكلفة، من تأجير قاعة أو الحصول على إذن لحدوث اللقاء!
وتطرق إلى أزمة الكتاب الورقى قائلًا بحسرة: لم يعد هناك - إلا من رحم ربى - ناشر يمارس دوره كناشر صاحب رسالة، زمان كان الناشر يعرض الكتب على لجنة للحكم على صلاحية أى كتاب وتماشيه مع رسالة داره، ويخضع الكتاب للقراءة من أساتذة وخبراء ينظرون فيه قبل طباعته ونشره، أما اليوم فبإمكان أى مؤلف لم يتعلم أصول ما يكتب فيه ولم يدرس فنيات مؤلفه، خاصة فى الأعمال الأدبية، وربما كان يمسك بالقلم لأول مرة فى حياته، فى إمكانه تقديم عمله إلى الناشر مع نقوده، وقليلًا ما يرفض الناشر كتابًا تقدم به مؤلفه مع نقوده.. والحجة الدائمة: ارتفعت أسعار الورق! ومتى انخفضت أصلًا منذ أن عرف العالم فن الطباعة والنشر!
يضيف: الأصل فى دور النشر أنها مع إختلاف المشارب والاختصاصات تحمل رسالة، وفى الماضى القريب لم يكن صعبا على الباحث أن يذهب إلى دور نشر بعينها، وهى المشهور عنها هذا التخصص وينال منها مبتغاه، وأظن أن هذا التوجه الاختصاصى والرسالى كان عرفًا عامًا فى دور النشر المصرية والعربية وربما العالمية، اليوم دور النشر تحصل من المؤلف على ثمن الطباعة ومشتملاتها من تنسيق وإخراج، ولايمكننى تجاهل غرابة الأمر لى فى هذا الموضوع، فقد كنت أفهم وأتعامل مع أكثر من دار نشر فى مؤلفاتى، عبر تقدير الناشر لجهدى فى الكتاب الذى أؤلفه، وعند توقيع العقد معه يعطينى مكافأة يتم تقديرها بالتفاهم بينى وبينه، فكيف انقلب الوضع وأصبح الناشر يتقاضى من المؤلف ثمنًا لنشره كتابه؟
ويشير إلى أن ارتفاع أثمان الكتب يفوق ماديًا طاقة الطبقة المثقفة، وهى طبقة عاجزة عن تلبية احتياجاتها المعيشية الأساسية فكيف يمكنها أن تلبى حاجاتها العقلية؟ لهذا صار سور الأزبكية بديلا لأغلب أبناء تلك الطبقة المتوسطة المسحوقة اقتصاديًا واجتماعيًا، وربما كان السور حلًا أيضًا لتطلعات الباحثين الأكاديميين.
ويؤكد الكاتب الصحفى محمد شمروخ أن الكتاب الورقى ما يزال يقاوم رغم ما تعانيه صناعة النشر من أهوال تفاقم أسعار الورق والأحبار ومواد وأدوات الطباعة، وتراجع الدعم الرسمى للثقافة الورقية من قبل مؤسسات الدولة، التابعة لوزارة الثقافة أو المؤسسات الصحفية القومية، وباقى الهيئات التى كانت حتى وقت قريب تسهم فى إصدار الكتب والدوريات العلمية والاجتماعية المتخصصة.
وينبه شمروخ إلى نقطة مهمة هى أن تراجع دور الدولة فى مجالات الثقافية بعامة كالسينما والمسرح والإعلام المقروء والمرئى، دفع الثقافة للوقوع تحت سيطرة السوق، ومن ثم تحكمت فيها قواعده، بعيدًا عن الرسالة الحقيقية للفكر والفن والإعلام بوصفها المكونة والموجهة للثقافة، وفيما يخص الكتاب سيطرت عدة دور نشر على سوقه، واتبعت نفس القواعد التجارية والاستغلالية، فوجدنا ناشرين يحققون مكاسب حتى قبل إصدار الكتاب باعتماد بدعة مستحدثة، تتمثل فى أخذ الناشر تكاليف الكتاب من المؤلف نقدًا، بزعم المساهمة فى تكاليف الطبع والتوزيع حتى لا يتأخر أو يعاق صدور الكتاب، صارت هذه البدعة عرفًا علنيًا لا يخجل كثير من الناشرين من الإعلان عنه، مستغلين رغبة المؤلفين المشروعة فى نشر أعمالهم، وسيطرت هذه النوعية على سوق النشر فى مقابل قلة من ناشرين لايزالون قابضين على الجمر، باتباع للمنظومة الأخلاقية القديمة التى لا تعترف بها قواعد عالم البزنس.
أما المحتوى الذى هو نتاج عقول، فيبدو أشد خطورة، وكثيرًا ما يستخدم لتحقيق أهداف إيديولوجية ما مباشرة أو لا مباشرة، لصالح بعض سياسات دور النشر، وذلك أخطر ما فى الأمر.
ويعرب الشاعر د.عيد صالح عن أسفه للحال التى وصل إليه عالم النشر، إذ أن أخطبوط الميديا والعلاقات والشللية من صحف وقنوات ثقافية ونقاد، أدى لرواج الغث والسطحى على حساب الجيد والعميق، والنشر تبع الدولة يحتاج إلى مثابرة، فمن لا يستطع أخذ تأشيرة من الرئيس إلى المطبعة، عليه الوقوف طابور مشابه لطابور التموين، فالميزانيات الضئيلة التى ترصد للنشر، مع الأعداد الهائلة من الكتاب وقوائم الانتظار وتضخم الجهاز الإدارى والوظيفى فى دور النشر الحكومية، كل هذا يستهلك الميزانيات ويجعل الكتاب هو الزير فى دايرة عموم الزير، فالكتاب يدخل لجانًا تنبثق عن لجان، ويحيله موظف لموظف إلى أن يصل للمطبعة، ليظل مركونًا فى انتظار القراءة وروتين غلاف الذى لا يجيء من عند الرسام، وقد تمر سنوات ليخرج مسخًا أو يضطر صاحبه إلى نشره فى دار نشر خاصة، وهذه بدورها فى أطار سعيها للكسب تتجاوز عن مستوى كثير مما تنشر.
وعن غلاء الأسعار ودور الدولة قال: هناك مبالغات فى أسعار الكتب، ترهق المستهلك المثقف وهو غالبًا من الطبقة الوسطى المرهقة أصلًا بالأعباء، وبالتالى يحجم عن الشراء ويحاول الاستعاضة بالكتاب الإليكترونى أو يتجه لباعة الكتب القديمة، أو ما يسمى بالمطبوعات المستنسخة والمطبوعة تحت السلم.
وتشير الشاعرة الإسكندرانية وصاحبة دار نشر هالة محمود أحمد إلى أهمية دور معرض الكتاب له فى نشر القراءة وفى نشر الأدب لفترة طويلة، لكن ذلك الاهتمام أخذ فى النقصان منذ عدة سنوات، وتغيرت متطلبات القراء، وظهر الإعراض على الكتاب الورقى خاصة بين الشباب، ولجأوا إلى الكتاب الإلكترونى لسهولة تحميله على الهاتف وإمكانية حفظ عدة كتب عليه يقرأها وقتما وأينما شاء، بينما الكتاب الورقى يعوق وزنه وحجمه التحرك به، وكذلك اعتبارهم أن الكتاب الإلكترونى موفر عن الورقى.
وتنتقد هالة دور النشر التى تعرض من الكتب ما تجد عليه طلبًا، حتى لو كان الكتاب لا قيمة علمية له وغير مفيد، مشيرة إلى أن الاهتمام قل باختيار الكتب التى يتم عرضها على الناس للشراء والقراءة، وأصبح الموضوع ماديًا بحتًا وبعيدًا عن أى تصنيف أدبى، بتحول معظم دور النشر إلى تجار، يعرضون المطلوب وليس المفيد.
وتنصح من يريد التعامل مع دور النشر الخاصة، بالتأكد من صحة أوراق الدار وسليمة وأنها عضو فى اتحاد الناشرين، ويسأل من سبقوه فى التعامل مع الدار عن آلية العمل بها، ومدى مصداقيةتها وجدية تعاملها.
وعن الكتب الأكثر رواجًا قالت أصبح شراء الكتاب الورقى نادرًا بخاصة دواوين الشعر نادر، أما الرواية والقصة فوضعهما أفضل قليلًا، والإقبال أفضل على كتب الأطفال والكتب العلمية والدينية.
وترى أن غيلان رجال الأعمال المستوردين للورق سبب غلاء أسعار الكتب، فلا يهمهم غير أرقام إيداعاتهم فى البنوك، وبعد إغلاق مصانع الورق المصرية ارتفعت الأسعار بشكل غير مقبول، ولابد من تدخل الدولة ووضع تسعيرة للورق والأحبار.
ويرجع الباحث فى التاريخ والروائى اليمنى د. مجدى صالح: سبب تفسخ الكتاب العربى واصدار كتب غير الصالحة للنشر تفتقر لجودة المضمون وللأمور الفنية كالتدقيق والتنسيق، إلى أن صناعة الكتاب حاليًا تخضع لشرط واحد، هو النشر على نفقة المؤلف ومادام المؤلف سيدفع المال فلا عائق للنشر، ودور النشر تطبع ما لا يقل عن 10 نسخ ولا تزيد عن 30 نسخة، وتوهم المؤلف بطبع مئات النسخ كونها تقاضت ثمن ذلك، والتعامل مع دور النشر يشبه التعامل مع أسلاك الكهرباء المكشوفة، ولابد من إذابة أصابع المؤلف شرارًا ولهبًا ونارًا، ولا يوجد من يحمى المؤلف ويحفظ حقوقه، وبالاخص مَنْ يتعامل مع دار نشر عن بُعد عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
ويرى أن هذا سبب التحول نحو الكتاب الرقمى، فلا عائد من الكتب الورقية والاقبال عليها يقترب من الصفر، وقارئ اليوم يعتمد على الكتاب الالكترونى، الذى يصل لأية بقعة فى العالم بكبسة زر.
ويذهب الكاتب سالم شعوير إلى أن عوامل كثيرة أثرت على الكتاب الورقى والمؤلفين منها: ارتفاع تكاليف طباعة الكتب، وضعف القوة الشرائية للقارئ، ومنافسة أجهزه الإعلام كالإذاعة والتليفزيون ومواقع التواصل للكتاب فى جذب القارئ، يضاف إلى ذلك عملية القرصنة بإستيلاء بعض دور النشر على حقوق المؤلفين.
فمعارض الكتب تأثرت تأثرًا بالغًا الحالة الاقتصادية، وغلاء أسعار الكتب الجديدة مما أدى إلى انخفاض معدل القراءة والشراء وانصراف الكثير للبحث عن البديل الأرخص، وهو سور الأزبكية بالقاهرة وشارع النبى دانيال بالإسكندرية والأمر نفسه فى باقى المحافظات.
ويقترح أن تشجع وزارة الثقافة والإعلام شباب الأدباء، بنشر نتاجهم بأسعار مدعمة فى معارض الكتاب، وتوزيعها على قصور وبيوت الثقافة.
وبرغم من اعتراف القاص السودانى عصام حسين كباشى أن للقراءة الورقية متعة خاصة، ولها جمهور لم ولن يستغنى عنها، إلا أن الأموال الكثيرة التى يحتاجها النشر الورقى، ومع الأحوال المادية السيئة للمثقفين أضحى شراء كتاب أو حتى صحيفة من الكماليات، لذا يحبذ النشر الإلكترونى لسهولة النشر لمحتوى ما مع سهولة الانتشار فى أسرع وقت، كما أنه يواكبة لحظة الحدث، فضلًا عن أنه لا يستوجب مثل الكتب الورقية من الباحثين، الذهاب إلى المكتبة وقضاء زمن طويل لاستخراج معلومة.