عبدالرضا الويساوى: لقصيدة النثر مقومات ومميزات تكسبها نكهة خاصة
عبدالرضا عيسى الويساوى شاعر وإعلامى ولد فى محافظة بابل بالعراق سنة 1967م، وشغل العديد من المهام والمسؤوليات والنشاطات منها مدير إعلام محافظة بابل، ومدير ومؤسس تلفزيون بابل ومذيع ومقدم برامج فيه، ومدير وأحد مؤسسى راديو بابليون ومذيع ومقدم برامج فيه، وترأس تحرير صحيفتى "صدى بابل" و"بابليون"، كما ترأس منظمة بابل للثقافة الإعلامية، وشارك فى العديد من الملتقيات الثقافية والشعرية والمنتديات الأدبية والإعلامية، ونال جوائز وشهادات تقدير خلال مشاركاته، ونشرت نصوصه وقصائده فى صحف ومجلات محلية وعربية، وصدرت له مجموعتان شعريتان عن دار المتن للطباعة والنشر "قدم فى الغربة" و"فزّاعات"، وله مجموعة ثالثة تحت الطبع، ويقيم حاليا فى تركيا بعد تقاعده.
* نبدأ بالسؤال التقليدى الذى نسأله لكل شاعر: كيف بدأت الموهبة وبمن تأثرت؟ وهل للقراءة دور فى ذلك؟
- منذ كنت تلميذًا فى المدرسة الإبتدائية، كنت مولعًا بحفظ المحفوظات وإلقائها بصوت جهورى، مما لفت انتباه المعلمين فأختارونى لإلقاء القصائد أثناء رفع العلم، وفى الصف الخامس الابتدائى مثلت مدرستى الفيحاء الإبتدائية فى مهرجان المدارس، الذى كان يقام على قاعة التربية، وأحرزت المركز الأول فى الإلقاء عن إلقائى قصيدة "واخجلتاه" للشاعر محمود درويش، وفى المرحلة المتوسطة بدأت اكتب الشعر، ونشرت العديد من القصائد فى جريدتى "الراصد" و"العراق"، وبعدها أخذت موهبتى تصقل وتتطور، حتى قمت وأنا طالب فى الإعدادية بكتابة الأناشيد للفرق الفنية فى مراكز الشباب، وكتابة الأوبريتات الغنائية، التى كانت تعرض فى المناسبات، وتطورت شيئًا فشيئًا إلى أن أصبحت ما أنا عليه الآن.
إما عن تأثرى فلكونى أعشق الشعر العمودى تأثرت بشعراء المعلقات كامرئ القيس وغيره، وأيضًا بالمتنبى، وكان للقراءة والمطالعة دور كبير فى صقل نتاجى، حيث كنت مولعًا بالقراءة، ولا أترك كتابًا يقع تحت يدى إلا وختمته من الغلاف إلى الغلاف.
* لأى جيل ترى نفسك تنتمى وهل تؤمن بالمجايلة؟
- إذا كان القصد بالمجايلة هو الجيل المادى كونى إنسانًا حسب تاريخ الميلاد، فأنا من جيل الثمانينيات، منذ أن حملت صفة كونى شاعرًا، أما إذا كان القصد كفكر ورؤى وتطلعات، فأنا أعتقد بأن الشاعر أو الأديب أو الفنان
أو المثقف بصفة عامة لا ينتمى إلى جيل محدد، فهو يعيش مع الأجيال التى سبقته بما ينهل منها من تجارب، ويتعايش مع جيل عصره بما ينتجه من إبداع، وينظر إلى أجيال المستقبل بما يبتكره من جديد وغريب.
* وما الذى يدفع الشاعر لابتكار طرق جديدة للتعبير وهل الأساليب القديمة قاصرة؟
- الدافع مواكبة عصره، فعلى الشاعر دائمًا أن يكون مجددًا فى أفكاره وصوره الشعرية، التى تنسجم مع متطلبات مجتمعه ورؤى وذوق جمهوره، وكما قال رائد علم الإجتماع ابن خلدون "الإنسان إبن بئته"، والشاعر إنسان لذلك فسلوكه وطباعه وثقافته ماهى إلا امتداد لعناصر بيئته، وطريقته فى التواصل والتعاطى معها، فهى من تصقله وتلونه حسب جغرافيتها ومناخها.
أما الأساليب والطرق القديمة، فلا نستطيع القول إنها قاصرة، فهى قد كانت جديدة أيضًا فى حينها، ثم ظهرت تجارب ومناهج ممكن الإستفادة منها فى رفد كل جديد فى عصرنا.
* وهل ترى أن ثمة حلقة الوصل بين النثر والشعر الحر؟
- حلقة الوصل فيما بين النثر والحر، هى الحداثة والتجديد فى الشعر أولًا، والتحرر من سطوة الشعر العمودى التقليدى ثانيًا، على الرغم من أن الشعر الحر أو التفعيلة - كما يطلق عليه - فيه وزن وقافية، ولكن بفضاء واسع وقافية متنوعة.
* للعمودى نكهته وللتفعيلة سطوتها رغم قلّة مرور الشاعر بها كتابة وقراءة فى الوقت الحاضر، ماهى النكهة التى وجدتها فى قصيدة النثر؟
- حقيقة التعامل مع قصيدة النثر وتذوق نكهتها، يتوقف على مدى قبول الشاعر لها وتعلقه بها، فالشاعر الذى يتقن كتابة الشعر العمودى والتفعيلة، يكون أقل تأثرًا من الشاعر الذى تفتحت عينا موهبته على كتابة قصيدة النثر فقط، رغم أن هناك شعراء يتقنون جميع أجناس الشعر، وقد أبدعوا أيضًا فى كتابة قصيدة النثر.
طبعا نقصد هنا قصيدة النثر الحقيقية، وليس التى يكتبها كل من هب ودب بهدف الإستسهال وغزارة الإنتاج، حيث نرى البعض يكتب ما يسميها قصيدة نثر وفق فهرسه اليومى كل يوم ينشر قصيدة!
فقصيدة النثر الحقيقية لها مقومات ومميزات تجعلها ذات نكهة خاصة، إذ تحتوى على أجراس موسيقية تتصاعد من كثرة الصور البيانية والتشبيهات؛ مما يمنحها بعدًا جماليًا مكثفًا وقريبًا من القلب والعاطفة.
وشعريًا قد حسم على أنها قصيدة نثر أو نص نثرى، ولكن على مستوى البحث والنقد والنقاش الأدبى والفكرى، ما زال الأمر لم يحسم بعد.
* فى كل فن من الفنون الإبداعية ضعف وثغرات وعيوب، هل العيب فى المبدع أم فى اللغة أم فى المتلقي؟
- هذا السؤال يقودنا إلى المقارنة فيما بين الثوابت والمتغيرات، فالفنون الإبداعية بشتى أنواعها وصنوفها، وكذلك اللغة هى من الثوابت، بل وحتى الجمهور المتلقى على الرغم من المزاجية واختلاف المستويات والثقافات، يعد أيضًا من الثوابت.
أما الشعراء أو الأدباء فهم من المتغيرات الطارئة على تلك الثوابت، لذلك فالعيب دائمًا يكون فى المتغير، وليس فى الثابت، وهذا بالضبط مثل البحر والسفينة، فحين تغرق السفينة فهل العيب فى البحر أم فيها؟
* بماذا ترد على من يقول إن الشعر العمودى قاصر؟
- بمجرد إطلاعنا على ما تركه لنا الشعر العمودى، على مدى تأريخه من موروث غزير وزاخر، نعرف من هو القاصر، فأكثر الحكم والمواعظ والأمثال التى تقال، والأغانى والأناشيد التى تغنى هى من موروث الشعر العمودى، وكذلك كثير من الأبيات التى اشتهرت، وتم تداولها على ألسنة الناس بشتى مستوياتهم الثقافية والإجتماعية، متضمنة صورًا ومعانى يعجز الكلام عن وصفها، ناهيك من أنها قد تخلدت وخلدت قائليها عبر قرون عديدة، هى من الشعر العمودى.
فالشعر العمودى هو أساس الشعر العربى، وأصل كل أنواع الشعر التى أتت بعده، والقصور قطعًا فيمن لم يتقن صنعته وليس فيه.
* لو طُلب منك أن تقارن بين شاعرين من أين تبدأ؟
- إنى وإن كنت لا أحبذ المقارنة بين الشعراء، لأن لكل شاعر أسلوبه وطريقته ومنهاجه، وطقوسه الخاصة فى كتابة النص أو القصيدة، ولكن إن كانت المقارنة من أجل إظهار مكامن الجمال والإبداع، وتوضيح دور الشاعر فى رفد الحركة الشعرية، فأننى أجد أن المقارنة فيما بين الشاعر بدر شاكر السياب والشاعر محمد الماغوط هى بغيتى، حيث أن لكل منهما دور بارز فى المجال الذى اشتغل فيه، فالسياب كونه أبرز مؤسسى الشعر الحر، ترك لنا موروثًا زاخرًا ورائعًا فى هذا الميدان، أما الماغوط فقد منح قصيدة النثر طعمها الحقيقى، وأبدع أيما إبداع فى كتابة النثر المركز.
* وما نصيحتك للشعراء والأدباء بعامة الذين بدأوا مشوارهم مع الكتابة، بعد التحولات الكبيرة واللافتة بالكتابة فى جميع الأجناس الأدبية؟
- أفضل نصيحة ممكن أن تقدم لأى مبدع، سواء كان شاعرًا أو قاصًا أو روائيًا، هى القراءة ثم القراءة ثم القراءة، لأنها أساس بناء القدرات والقابليات للكتابة فى أى ميدان، فالكُتاب يتوصلون إلى الكتابة عبر القراءة، وعبر عمليات التراكم والنضج، عبر الأصداء وتكرارها، التى تشكل ذخيرة تسمح لهم بالكتابة، تقول الكاتبة والرواية الأمريكية كارول أوتس “القراءة هى الطريق المعُبد للكتابة، وجودة ما تقرأه ستحدد جودة ما تكتبه“.
الأمر الآخر أن يكون للشعراء أسلوبهم الخاص وبصمتهم الخاصة فى كتاباتهم، أى أن يكونوا مستقلين تمامًا ولا يلوذون تحت جبة من سبقوهم من كبار الشعراء، فقديمًا كان الشاعر إذا أراد أن يقول الشعر، يُطالب بحفظ ألف بيت من الشعر ثم يعود وينساها، وبعد ذلك يبدأ فى كتابة الشعر، بعد التخلّص من تأثير السّابقين عليه، وامتلك صوته المستقل.