الزمان
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

سماء عربية

محمد فيض خالد: مشروعى الأدبى ينحاز للقيم وقضايا الفقراء والمهمشين

حاورته: سميحة رشدى

محمد فيض خالد صحفى وقاص وروائى، عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، ونقابتها الفرعية بالمنيا، اشتهر بتمسكه بأصوله الريفية الصعيدية، فلم تجتذبه العواصم المصرية الكبرى مثلما اجتذبت كثيرين غيره، وظل وفيًا لمسقط رأسه، يرى أن الريف هو النواة الأولى والحقيقية التى كونت مجتمع المدينة الأكبر، ومنه نبعت كل القيم الأصيلة، التى تبدت فى أعماله الحاملة لروح الريف وجوهره، المتشبعة بأصالة قيمه وعرق فلاحيه.. مع هذا المبدع كان لنا لقاء طويل، حاورناه حول إبداعه القصصى والروائى، ومصادر هذا الإبداع، ورؤيته للواقع الثقافى المصرى.. وكانت هذه إجاباته.

ابتدرناه بسؤال: ما الرسالة التى أردتم توصيلها من خلال قصة "وسط الملايكة"؟

قصة "وسط الملايكة" هى امتداد حقيقى للفنتازيا التى تؤصل للعقلية الريفية، من خلال الرواسب الفكرية المنوعة، فيها من الصور الكثيفة المجتزأة من الواقع المعاش، والذى تربينا عليه، ولم يكن له من تفسير حقيقى يوافق العقل، ولكنه منتزع من البيئة بالوراثة، فالمصلى وبنيانه البسيط، والترعة، وشجرة النبق، والبقرة التى لا تحلب، والصبى الصغير المكلف بوضع الرسن تحت الحصير، هى سلسلة تجر بعضها مسخرة لخدمة المعتقد العامى، مع بيان كيف تغولت الحداثة على هذه الصورة فى اجتراء شمل كل شىء.

هل كانت قصة "مغرم صبابة" إسقاط على العرب؟

القصة القصيرة "مغرم صبابة" هى ملامسة للواقع، ومعبرة بجلاء عن دواخل كثيرين، خاصة فى البيئات التى يدخل فيها الحب من نوافذ العقل، ويبتعد عن القلب والعاطفة، والقصة تبرز كم الاضطراب العاطفى والحرمان الذى يتعرض له الإنسان، واندفاعه لتغيير الواقع عندما تتهيأ له الفرصة، ولا أستطيع إسقاطها على واقع بعينه، بقدر ما أزعم صلاحيتها لأن توافق أكثر من واقع فى أكثر من بيئة وبصور منوعة، فبطلها "مفتاح" أُرغم فى ظروف معينة على تقبل "محاسن" زوجة، لكنه يتمرد لاحقًا على دمامتها، يعاقب اختياره فى الاستهزاء بها والتصريح بقبحها، وقد يلجأ لوسائل تنسيه هذا الواقع المتردى عبر معاقرة الشراب، وفى رفضها الاستماع لنصيحة إخوتها بالسفر للعلاج وبيع أرضها، ما يؤكد العاطفة التى تغلب المرأة خاصة حين تفضل التضحية، علاوة على وجود "سماسم" مصدر الغواية، التى لا يخلو منها أى مجتمع، وفى القصة أكثر من صراع وأكثر من واقع قابل للتغيير.

أرى أثر النشاة الأولى على نتاجكم الأدبى أكثر تجليًا فى رواية "الأفندى" كيف كان هذا الأثر؟

إنتاج الكاتب هو ترجمة لحياته، وحصيلته هى اجترار لهذا الواقع، الذى صنع شخصيته وشكل ملامحها، كنت وما أزال ابنًا بارًا للريف، انتمى للأرض، أعشق الطبيعة بكل تفاصيلها، أجد نفسى ضمن إطار الصورة الكبيرة التى تتراءى من حولى، فى خضرة الحقول، وزرقة السماء وصفاء ماء الترع والجداول، فى الطيور، فوق الجسور فى قمم النخيل وفوق الأغصان، وهذا الانتماء الوجدانى والارتباط المكانى، هو ما شكّل فى هذه الذائقة الأدبية ومدها بعناصر الديمومة، وأظهرها فى أشكال الحكى المختلفة التى تنبض بالحياة، ورواية "الأفندى" هى خلاصة تجربة واقعية حدثت بالفعل، وبطلها رجل عجوز لازمته صغيرًا بحكم الجيرة، وأحداثها امتداد وهامش لحياتى الريفية، التى عشقت تفاصيلها وأخلصت لها عمرى، "الأفندى" واقع وأحداثها واقع، ومع "الأفندى" تشكلت بالبدايات فى كل شىء، فى تكوينى العاطفى والإنسانى وتبصرى بالحياة واختزالها، وفى توجهى الحقيقى للكتابة المنتمية للريف والقرية والمهمشين.

تكتب الرواية والقصة القصيرة، فأيهما أقرب إليكم؟ ولماذا؟

لكل جنس أدبى مذاقه الخاصة ووقعه فى نفس الأديب، وكذا قربه من مخيلته والتصاقه بها، لكننى أميل أكثر للقصة القصيرة، على الرغم من كتابتى لأربع روايات "الأفندى.. حكاية ريفية"، "نوجا"، "المحتال"، "الدفينة"، لكن عنصر التكثيف فى القصة القصيرة، وتركيز الأحداث بهذا الشكل الموجه، يخلق فى نوازع أكبر لمجاراة حبكة تلخص الحياة فى مشهد، وتخلصها من الزوائد والترهل التى قد تصيب القارئ بالملل، فى حال عدم قدرة الكاتب على إحداث توليفة معتبرة، لكنى فى الفترة الأخيرة بصدد وضع أكثر من تصور لعمل روائى طويل، سيرى النور إن شاء الله.

ألحظ أنك ترى الريف المكون الأوحد للهوية والشخصية المصرية؟ فلماذا؟

القرية هى النواة الأولى والحقيقية التى كونت مجتمع المدينة الأكبر الذى نراه، وهذا الكلام ينطبق على جميع الدول، فالقرية بإرثها الإنسانى، ومكونها الأخلاقى، وامتدادها كانت المفرخة الأصيلة التى أوجدت الكيان المدنى، ومدته بجميع المقومات التى يرتقى بها وينهض، فالفلاح دوره كبير وأثر عظيم فى دعم الجدار الإنسانى وتقويته وجعله أكثر صلابة، والريف المورد الذى يغذى المجتمع بما يصله بأسباب الحياة المختلفة، فإذا تكلمنا عن المؤن والغذاء فله الفضل الأكبر، وإذا تكلمنا عن التقاليد العريقة والأصيلة فله الفضل، ولك أن تتخيلى أن أغلب العقول المفكرة والنوابغ المبدعة- إن لم يكن جميعهم- هم من نبات الريف وزرعه، ولهم امتداد لهذه التربة التى أخرجت وأفرزت هذه الطاقات الخلاقة، فالريف الأم الرؤوم التى أرضعت، والحاضنة الأمينة التى ربت ورعت، وهو الامتداد الباقى والجناب الذى يلوذ به الإنسان، والأديب أشد الناس تأثرًا بالريف وانجذابًا إليه وانفعالًا لأحداثه، يدور معها ويتعاطى معها.

لماذا كان كتابكم "على باب الله" الأكثر شعبية؟

"على باب الله" صدر عن مكتبة الآداب العريقة، والعنوان يحمل جملة رائجة وذائعة جماهيريًا، وبالتالى فهذه السهولة هى التى ضمنت له الرواج، كما أن المجموعة ضمت عديدًا من العناوين الجذابة، وقصصًا براقة حوت جملة من المشاعر والأحاسيس، والتجارب الإنسانية الأكثر عمقًا والتصاقًا بالإنسان خاصة فى الريف، علاوة على كثير من العادات والتقاليد الريفية، التى أصبحت غير مطروقة مع تغير الزمن وتبدل الأيام واختلاف الرؤى، بعد أن تجرد الريف وأهله من أبرز أخلاقهم، وبدأت تسرى فيهم غرائب العادات والتقاليد الغريبة، وهذا جزء من وظيفة الأدب الملتزم بقضايا المجتمع المهموم بمشاكله، المساهم فى تقديم الجرعات القيمية والتربوية.

ألمح فى كتابتكم خبرات حياتية واقعية إلى أى مدى كان ذلك؟

أنا من أشد المتمسكين بوظيفية الأدب فى المجتمع، الأدب الملتزم تجاه مجتمعه المهموم بقضاياه، والواقعية التى ترصد عن قرب المجتمع وترصد حركات نموه، وتفرض فرضياته على وقع المعايشة، وجميع كتاباتى هى نتاج تجارب حياتية شخصية، كنت الشاهد عليها أو رُويت لى على لسان أبطالها، والواقعية تبرز فى جميع العناوين المقترحة وأحداث القصص، التى هى جزء من الواقع وصدى له قوة وضعفا سلبا وإيجابا، وهذا بلا شك يخدم مشروعى الأدبى الذى التزمته منذ زمن بعيد، وهو الأدب المنتمى لقضايا الفقراء والمهمشين، والمنحاز للقيم والتقاليد الأصيلة، الذى يعمق الهوية المصرية النابعة من القرية، والتى تعود للجذور وتحيا فى كنف إرث عريق من العادات والأعراف.

كيف استفدت كمبدع من وسائل التواصل الاجتماعى؟

لوسائل التواصل تأثير على جميع مناحى الحياة وهذه حقيقة، وفيها من الإيجابيات الكثير فى حال استغلت الاستغلال الأمثل، والأديب يتعاطى مع هذه الطفرة ولا شك، فقد أسهمت هذه الوسائل فى تعزيز انتشاره، وعرض منتجه الأدبى على أكبر شريحة من الجمهور، فى وقت قياسى على امتداد العالم شرقًا وغربًا، وهذه من المكاسب الفعلية، كما أصبح بإمكانه الإطلاع على تجارب غيره وإنتاجه الأدبى ومحصوله الفكرى بضغطة زر، علاوة على أن تواصله المستمر بصناع الثقافة وقادة الحركة الأدبية العربية والعالمية، ومعرفة آخر ما تخرجه دور النشر والهيئات العلمية من إصدارات، يمكنه من إثراء ذائقته وتقوية ملكته بالإطلاع عليها عبر الاحتكاك المباشر وغير المباشر، لقد تحققت الاستفادة على المستوى الشخصى، ووجدت ولله الحمد صدى جميلًا لكتاباتى فى العديد من الدول العربية الشقيقة، التى كان لى شرف التواصل مع رؤساء الأقسام الثقافية بصحفها اليومية ومجلاتها الشهرية، ومساعدتهم المستمرة لنشر كتاباتى.

وما هى فى رأيك المعوقات التى تواجه المبدع فى مشواره الادبى وكيف يتغلب عليها؟

لا تخلو الحياة من معوقات، فكما أنها مليئة بالإنجازات كذا يكتنفها الإخفاق وهذه سنة الحياة، وطبيعة ملازمة خاصة للمبدعين، لكن يظل النشر الورقى خاصة فيما يتعلق بطبع الأعمال الأدبية، هو المعوق الرئيس لأى كاتب وأنا منهم، فلدى العديد من المشروعات الأدبية المخطوطة التى تنتظر النور، وهناك أيضًا المزاجية والنرجسية، ومبدأ الشللية الذى يضرب الأدب، ويؤثر سلبًا على البعض، خاصة أولئك الذين يعملون فى صمت، أو ممن لم يتح لهم القدر الكافى من الاقتراب الذيوع بفعل العامل المكانى، مثل أدباء الأقاليم وبالخصوص أدباء الصعيد، حتى وإن كتب لبعضهم حظه من الشهرة على استحياء، لكنى صراحة لا أنظر لهذا مطلقا، فأنا اكتب لأنى أعشق الحرف وأهوى الكلمة، أكتب كى احيا هذا مبدأى فى الحياة، الكتابة هى المتنفس هى الرئة الثالثة كما أسميها دائمًا، لذلك لا أجد صعوبات خاصة مع اعترافى بأن هذا هو الواقع، هو قدر الأديب ولابد وأن يحياه.

كيف ترى الجوائز والتكريمات فى مصر والعالم العربى وهل تخضع لحسابات أخرى غير الإبداع؟

لا أميل إلى الكتابة من أجل الجوائز، فهذه النوعية من الإبداع خالية الدسم، ولايمكن الاقتناع بها، ولا بمنتجها فى أغلب الأحوال وهذا رأيى الشخصى، لكنى أرى بأن هناك من الأعمال التى نالت جوائز أدبية محلية وعربية وإقليمية على قدر عال من الرصانة والتميز، فهى تخضع فى الأخير لرأى النقاد أصحاب التقييم، كما أنها حققت رواجًا أدبيًا وزخمًا جماهيريًا ولاشك، فليس عمل شارك وفاز فى مسابقة أيا كانت، هو بالضرورة رهن مصادفة، أو دون المستوى أو يخضع لتوجهات وتقييم بعنيه يرضى ميولًا معنية، وإلا فالاتهام سيطال أغلب إنتاجنا الثقافى الجميل الذى نفتخر به وبأصحابه، هناك وجهات نظر لا بد وأن تحترم وتؤخذ فى الاعتبار، حتى وإن كان هناك بعض الأعمال الجيدة التى لم يحصل أصحابها على جوائز، فأنا أرى أن تقييم القراء هو أكبر جائزة.

click here click here click here nawy nawy nawy