مؤتمر اليوم الواحد انطلق من ديرب نجم وأثمر حراكًا ثقافيًا
سميحة رشدى
فى الآونة الأخيرة انتشرت فكرة مؤتمر اليوم الواحد، والتى ظهرت أول ما ظهرت فى مدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية، إذ كان لأدباء ديرب نجم سبق عقده قبل نحو ربع قرن من الزمان، وتلقف المثقفون الفكرة كأحد الأفكار المهمة، التى حركت الراكد فى الواقع الثقافى والأدبى المصرى والعربى على حد سواء، حيث شهدت مؤتمرات اليوم الواحد إلقاء الضوء على تجارب عدد كبير من مبدعى الأقاليم، الذين ظلوا طويلًا فى الظل وظلت تجاربهم قيد التجاهل، وأيضا قدمت أقلامًا ونقادًا جددًا للساحة الأدبية، من الذين لا يمتلكون الفرصة للنشر فى الصحف والمجلات، ولا يضطلعون بعلاقات ما مع الصحفيين والكتاب المسئولين عن الصفحات الأدبية والثقافية.
ولإعجابى بفكرة مؤتمر اليوم الواحد، انتهزت فرصة أن جمعتنى المصادفة مع أديب كبير هو موسى نجيب وناقد متميز هو د. نادر عبدالخالق، وسألتهما عن رؤيتهما للفكرة.
فقال الأديب موسى نجيب: فيما يتعلق بمؤتمر اليوم الواحد دعينا نتطرق بداية إلى محورين مهمين على علاقة مباشرة بفكرتنا، المحور الأول يتعلق بتعريف المؤتمر بعامة، والمحور الآخر يتعلق بأنواع المؤتمرات، حيث يعرف المؤتمر على أنه أحد أنواع التواصل الإنسانى المختلفة بين الأشخاص وبعضهم البعض، أو هو نوع من أنواع العمليات التى يحدث فيها استخدام الحديث بين شخصين أو أكثر، على أن يتم استخدام لغة خاصة بكل الموجودين بالمؤتمر، كى يتم توحيد عملية الخطاب، من أجل قبول عملية التواصل بشكل صحيح ومفهوم، بين كافة الأطراف، كما يعرف بأنه اجتماع أو مُقابلة يُمكن تنظيمه من خلال مُنظمة، تعمل على تجميع الكثير من الأفراد فى مكان واحد، وآن واحد أيضًا، حتى يصبح هذا المكان مُحددًا من تلك المُنظمة فى وقت مُعين، ويُخطر به الأشخاص الذين سوف يحضرونه، كما يهدف المؤتمر إلى تبادل الحديث أو مُناقشة عدد مُحدد من الأحداث أو الأمور التى تختص هؤلاء الذين حضروا الاجتماع، ويعرف أيضًا بأنه القيام باستمرار الجلسات التى تحوى المزيد من المُناقشات والحوارات، بين الأفراد الذين تم دعوتهم فى هذا المؤتمر لفترة يوم واحد، ومن المُمكن استمرار هذا المؤتمر لأكثر من يوم.
أما المحور الأخر فهو أنواع المؤتمرات، فهناك مؤتمرات حسب طبيعة القضايا التى تناقشها، مثل المؤتمرات السياسية والمؤتمرات الجماهيرية، والمؤتمرات الاقتصادية والسياحية والطبية الرياضية والصحفية والعلمية وغيرها، وهناك مؤتمرات حسب المدة مثل مؤتمرات الأيام المتعددة، أو مؤتمر اليوم الواحد وهو ما يعنينا، وأرى أن مؤتمر اليوم الواحد من أهم الأدوات التى يمكن استخدامها لمناقشة الآراء المختلفة، حوال القضايا المشتركة بين عدد كبير من المهتمين والمتخصصيين فى نوعية القضايا المطروحة للمناقشة، كما أنه من أهم وأنجح الأدوات فى المجال الأدبى والثقافى لأنها تؤتى أُكلها فى حينه، ونتائجه سريعة ومثمرة، وتتفق مع طبيعة إيقاع العصر السريع والتطورات التكنولوجية والتقنية، التى تسهل كثيرًا تنفيذ مثل هذه الفعاليات، كما أنه يعكس واقعًا حقيقيًا نعيشه كمبدعين ومثقفين، لذا أنا شخصيًا من أشد المتحمسين والمبهورين بتجربة مؤتمر اليوم الواحد، وأتمنى أن تعمم فى مختلف المجالات والتخصصات العلمية والمهنية والثقافية والأدبية.
ويضيف د. نادر عبدالخالق: كانت فكرة المؤتمر الثقافى لليوم الواحد وما تزال تعطى مردودًا ثقافيًا مدهشًا، لعدة أسباب منها قلة التكاليف المادية، والقدرة على حشد عدد كبير فى مناسبة ثقافية فى وقت قصير، كذلك مناقشة قضايا إيجابية مناقشة جادة، وعرض المحتوى الفكرى فى حينه، ومن ثم الوقوف على أهمية القضية المثارة من عدمه.
ولا يمكن أن نغفل نقطة انطلاق هذا النوع من المؤتمرات، حيث بدأ قويًا من مدينة ديرب نجم فى نهاية القرن الماضى، وظل لسنوات طويلة يعطى مردودًا كبيرًا، حتى بلغ ذروته فى بمناقشة قضايا الكونية، وتداخل الحضارات فى النص الأدبى، وفى خلال هذه الرحلة التى بلغت أكثر عشرين عامًا أدباء وشعراء ونقاد، أصبحوا يمثلون مصابيح فى الحركة الأدبية عامة.
وقد شاركت لسنوات عديدة فى تلك التظاهرة كناقد وباحث ورئيس للجنة الأبحاث، ورئيس لإحدى دوراته التى نوقشت فيها أعمال الأديب محمود الديدامونى، من خلال مجموعة من الباحثين والنقاد.
المدهش أن هذه الفكرة الفتية أصبحت ظاهرة عمت معظم أندية الأدب، وأثمرت حركة ونهضة أدبية لا يستهان بها.. وانتقلت الفكرة كذلك إلى المؤسسة الجامعية حتى أصبحت ضمن برامجها البحثية، وظلت لوقت غير قصير ضمن أنشطة وزارة الثقافة، بفضل حرص الأدباء على إقامة هذا الحراك الثقافى التنويرى.
لذا يجب العودة من جديد لمثل هذه الأفكار ومناقشة القضايا الجادة ومعرفة الجديد من الفكر والتجارب، وتحليل النصوص من وجهة نظر عصرية.
وحتى يتم ذلك لا بد من دعم مادى مباشر كما كان يحدث، واختيار الأفكار المناسبة وإشراف إدارى فقط للمؤسسة الثقافية، وإعطاء الحرية اللازمة لأمانة هذه المؤتمرات حتى يستطيعوا تقديم الفكر الصحيح بعيدًا عن الروتين.
وهذا ما كان بالفعل، حتى أن عدد دورات المؤتمر تعدت مؤتمرات الإقليم الثقافى، وربما يكون مؤتمر اليوم الواحد أكثر تأثيرًا من مؤتمر الأيام الثلاثة، برغم أنه يعقد بجنيهات قليلة، وقد تطور المؤتمر عبر رحلته مع الحياة الثقافية، فأصبح يتخذ عنوانًا رئيسًا وفكرة رئيسية يطرحها، وكذلك يلقى الضور على تجربة أحد كتاب الإقليم، الذين يمتلكون أدواتهم ويعدون كتابًا متحققين وحاضرين فى المشهد.