الزمان
بالأسماء.. نتيجة مسابقة عمال المساجد لعام 2023 منال عوض تفوز بجائزة التميز الحكومي العربي كأفضل محافظ على مستوي الدول العربية بدء فعاليات المجلس الوزاري العربي للكهرباء بالعاصمة الإدارية الجديدة.. الأسبوع المقبل تجارة الأسلحة.. اتخاذ الإجراءات ضد شخص غسل 15 مليون جنيه الداخلية تعلن عن تكاليف حج القرعة 2025 والمستندات والإجراءات المطلوبة من الفائزين وزير الخارجية والهجرة يشارك في الاجتماع الوزاري لمجلس السلم والأمن الافريقي وزارة الصحة: مصر حاصلة على شهادة «الصحة العالمية» بخلوها من مرض الملاريا رئيس الوزراء: الدولة حريصة على بذل جهود لتحفيز قطاع الصناعة بهدف توطينها وزير الشئون النيابية والقانونية يستقبل وزير العدل الصومالي وزير الخارجية والهجرة يجري سلسلة اتصالات مع وزراء خارجية أنجولا وبنين وجزر القمر والرأس الأخضر ونائبة وزير خارجية سيراليون شنايدر إلكتريك تطلق ثلاثة منتجات جديدة لتعزيز أنظمة الطاقة وجهود الاستدامة محافظ كفرالشيخ يتابع الموجة الـ 24 لإزالة التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

سماء عربية

”العبّاسة” والكتابة عبر النوعية والأجناس الأدبية.. قراءة مشاهداتية

حاتم عبدالهادى السيد

يحيلنا الشاعر محمود حسن- منذ الوهلة الأولى فى ديوانه "العبّاسة" إلى التاريخ وعصور الخلافة العربية فى العصر العباسى، حيث هارون الرشيد: الدولة، الحكم، تنازع السلطات، الصراع الطبقى، العنصرية، وتغليب ما هو عربى على ما دونه، نكبة البرامكة، صراع الطوائف حول السلطة، ولعمرى، ما أشبه الليلة بالبارحة، وكأنه يستدعى التاريخ ليحيلنا إلى واقعنا العربى - الآن- والممتد من المحيط إلى الخليج.

وإذا نظرنا إلى لغة الكتابة الشعرية؛ لقلنا إنها "مسرحية شعرية " أو "رواية تاريخية شاعرة"، أو أنها "مسرواية شعرية جديدة" تستقطبك كقارىء وتأخذك بتلهف حتى النهاية، لترى مصير العبّاسة، وجعفر، يحيى البرمكى، وغيرهما من شخصيات التاريخ التى ظُلمت، كما ظلم هارون كذلك، فكم من جرائم ارتكبت باسم الحكم والدين، وباسم السلطة المطلقة؛ وغير ذلك.

إن شاعرنا هنا يمسرح التاريخ، ويمازج من خلال- الكتابة عبر النوعية؛ والأجناس الأدبية- بين الفنون الابداعية المختلفة، ويشرك القارىء فى خطابه التاريخى، سفره الذى يتوسله، اسقاطاته، ومعادلاته الموضوعية والضمنية، والرمزية لاضفاء واقع سحرى للقارىء، وكأنه فى جوقة المسرح والجمهور قد اخترق الحاجز الوهمى الرابع ودخل إلى اللعبة، العصر التاريخى ليعيش ويقارن ويتضام ويراكب- على حد تعبير سوزان سونتاج - أو أنه يعيد تأسيسية جديدة للشعرية العربية، باستلهام القارىء وإشراكه كجزء من اللعبة التاريخية الشعرية الاحالية الترميزية، ليحيلنا إلى ذواتنا المقهورة، إلى الإنسان فى أى زمان ومكان، لينفض الغبار عن ثوب الرهبوت، ويكسر القيود، ويحرر القضبان والسجون، من ظلم الاستبداد والاستعباد، إلى حيث الحرية وكسر ربقة الظلم وغلالته السميكة، ورفع الغشاوة عن عين العامة لتبصر اليقين، يقول: (ما أقبحَ أن يصبِحَ لَـثْمُا لقدَم الملكيةِ أفيونَ الشَّعبِ المتغَيِّبِ قسراً وحَشِيشَه). ( الديوان ص: 31).

وكذلك ما جاء على لسان جارية "من عامة الشعب، وهى فى شرفات القصر،" تقول: (فى القصرِ خمورٌ ونساءٌ عاريةٌ، وفُجورٌ، وغناءْ/ وسُجودٌ وقيامٌ وصيامٌ وقِراءةُ قُرْآنٍ، وبُكاءْ/ فى القصرِ العِزَّةُ والذِّلَّةْ/ وملابسُ مُتَّسِخاتٌ وأناقَةُ حُلَّةْ/ فى القصر شياطينٌ رُسلٌ وملائكةُ خُبثَاء/ لو أنَّكَ يا هارونُ ابنَ المهْدِيْ/لمتَفْتِنَ عقلك جاريةٌ من كِسْرى / ولَدَيْك زُبيدَةْ/ ما سالتْ فى القصرِ دماءْ/ لو أنَّكَ يا جعفرُ لم تَفْتِنك امرأةٌ من ساداتٍ عربِيَّةْ/ لو أن العبَّاسةَ ظَلَّت عذراءْ ما انهدَّ السدَّ ولا كَفَرَتَ بِلْقِيسُ/ ولا ذُبِحَتْ صنعاءْ.( الديوان ص:44-45).

وما بين الشخصيات وتعدد الشخوص،الأحداث، الحكايات؛ والمتوالية السردية القصصية الشاعرة، نرى تداخل الأزمنة والعصور عبر دلالات المرويات التاريخية على لسان أبطال الرواية الشاعرة، أو القصة التاريخية بامتياز التى تستدعيها شخصيات الرواية الشعرية، ونلحظ أسلوبية اللغة عبر المشهدية التراجيدية التى يستدعيها، من خلال الشخصيات: هارون الرشيد، العباسة، جعفر، يحيى، زبيدة، الجارية برّة، عصماء، الخيزران، أبواسحاق "الشاعر أبوالعتاهية"، الوزير يعقوب، الجنود، الحراس، الدهماء "عامة الشعب"، نستطيع أن نقرر أننا أمام منظومة حياتية ممتدة، وليست قصيدة وحسب؛ فهارون الحاكم/ الرئيس / الملك / السلطان / الخليفة تتجدد مسمياته بتجدد العصور، والعباسة رمز للجريحة/ المغدورة/ المعذبة/ الشعب، وحاشية كل العصور، والسلطات بمختلف أنواعها، لتختلط الأزمنة بالأمكنة، عبر أسطرة التاريخ، ولا حتميته كذلك، ولكنها صور مستنسخة للإنسان- شريحة المستبّد- الشعوب ومعاناتها، الصراع من أجل البقاء وحكم الرقاب، والاستبداد والاستعباد العربى، العالمى/ الكونى، الأممى، صراع الحضارات، الاستعمار والهيمنة، والمحو باسم تغليب المذهب والعقيدة والجنس واللون والشكل، وغير ذلك مما تستدعيه أسطورة العبّاسة، المرأة المغدورة المطعونة فى أبسط حقوقها الزوجية والحياتية والمجتمعية، والشعب البائس الذى يعيش فى غلالة الدولة والعقد الشرعى، يقول: (من يعبثُ فى البَيْعَةِ يعبثُ فى الجِلبابِ السَّاتِرِ يفضحُ عوراتٍ مُخْتَبِئةْ/ ويثورُ الشعبُ المَيِّتُ من مائتَى عامٍ، والجُنْدُ المتَخاذِلُ والدَّبَّاباتُ الصَّدِئَةْ).

إننا أمام شاعر لا يستدعى الأسطورة والتاريخ ويستلهمهما فحسب، لكنه يصنع لنا "الأسطورة العربية"، فقد جعل من "العبّاسة"- أخت هارون الرشيد " وزواجها من يحيى البرمكى- زواج العين - دالًا رامزًا لتاريخ الظلم الإنسانى الممتد؛ يقول: (لو أنِّى أعلم أن السيفَ إلى عُنُقِى/ ونِكَاحَ العينين العاشقتين يرسِّخ/ فى دولتهِ كَذِبَه/ أن رجولةَ جعفرَ يا أمَّهْ/ أن مسَّتْ جسد العباسة فى حلٍّ/ يَتَكسَّرُ عَظْمُ الرَّقَبَةْ /كنت كفرتُ بهارونَ رضيعًا وخليفة /وقطعت ثُدِيَّكِ/ سمَّمْتُ رغيفه/ كنتُ عقرتُ حِصَانَهْ/ وحرقتُ العَرَبةْ كَسَّرتُ ذراعيهِ/ عَبْدتُ الإثمَ/ ومرتكبَه/ كنتُ رسمتُ براحًا ومساحاتٍ/ للخيلِ المصنوعة من ثأر يتخلٌقُ فى الغيبِ القادِمْ/ وصرفتُ الموج بعيدًا عن باب/ المندبِ عِنْدَ.. وما أدراكَ وتفسير/ العقبة/ كنتُ جعلت التاريخ الآثم لُعْبَتَنا/ استعبدتُ الغالبَ والغلَبةْ).

فأى عذاب لزوج يتزوج امرأته "زواج العين"، فلا يستطيع أن يقربها إلا بأمر الحاكم؟!

ولنا أن نلحظ أن الشاعر محمود حسن- هنا -يرفو قماشة اللغة ليصنع ثوب الشعرية المورفولوجى، عبر فونيمات الحروف التى تصنع جرسًا للشجن يخشّ إلى ضفاف الروح، فاللغة لديه نهر ينساب ينتظم فيه عقد الصور الجمالية الباذخة المنسابة من فقه الجمال السّياقى، حيث اللغة المائزة، فنراه يتقصّد الشعريّة العربية ليعيد اقتصاديات اللغة المائزة عبر التراكم، والتقارن، والانزياحات، التى تشكّل السياقات النصيّة الباذخة، فاللغة لديه شاهقة، لا تجد ترهلاً، ولا كلمة ليست فى موضعها، لغة بسيطة دافقة، وعبر التكثيف والتقصيد والتراكم، تجىء المعانى محمّلة بزخم جمالى وتاريخى وسياسى وإحالى يدل على عمق شاعرية ممتدة.

click here click here click here nawy nawy nawy