خلف الصّور فى المجموعة القصصية ”ألوان باهتة”
خديجة مسروق - الجزائر
ألوان باهتة عنوان مميز، فخلف الألوان تكمن حكايات القصص، التى وضعتها القاصة فاتحة أحمد يشّو بين أيدينا، فهى تحكى عما يحدث خلف جدران البيوت, ولا يعرفه سوى أصحابها، نزلت بعدستها الفنية إلى قلب مجتمعها المحلّى، عرت واقعه، لتقترب من عوالم المرأة المغربية, كاشفة معاناتها من التهميش والظلم, وسلطة المجتمع الذكورى، الذى ينتصر للرجل فى أغلب الأحوال.
أغلب بطلاتها فتيات جميلات، عصفت بهن رياح الظروف، ليجدن أنفسهن بين أحضان الرذيلة, بسبب القهر الذى يمارس ضدهن، سواء من طرف الأهل أو من قبل المجتمع ككل.. والقارئ للمجموعة يجد نفسه أمام رحلة سردية متنوعة الأحداث, تتقاطع فى الهدف والمضمون، فالقاصة تتحرك فى فضاءات باهتة, وتفتح الأبواب مشرعة أمام القارئ ليستخلص العبر من هذا الواقع الأليم.
"ميلودة" إحدى بطلات القاصة يبيعها والدها فى سوق العذارى، الزيجة التى اختارها لها كانت مدبرة من طرف عصابة تتاجر بأعراض الفتيات, ولأن الأب كان جشعًا أغراه العرض المادى، لكن الصفقة لم تكتمل بسلام، يختفى الزوج بعد أسبوع من زواجه بالفتاة, وتكتشف أن عقدها لا وجود له فى السجل المدنى، تسير ميلودة فى طريق شائك بحثا عن المجرم الذى قتل آدميتها وسرق شبابها، ولتصل إليه كان عليها أن تتجه إلى الحانات الليلية وبيوت الدعارة.
و"أمنية" فى قصة "دموع حارقة" قررت ألا تزوج إلا من رجل يختاره قلبها, وتعيش معه قصة حبّ سامية، لكن أحلامها تتحطم على صخرة الواقع المزيف, والحب الذى كانت تحلم أن يحقق لها السعادة فى حياتها, كان سببا فى تعاستها، فالرجل الذى اختاره قلبها كان يمثّل عليها الحبّ، يدعى أنه يبادلها نفس المشاعر, وبعد الزواج تكتشف أنه زير نساء, لم يعرف الحبّ فى حياته.
والحرمان من الحبّ ومن الحنان يدفع بـ"أمى عيشة" إلى الانغماس فى عالم الرذيلة، إذ كان والدها يشعر بأنها وأخواتها يشكلن عبئًا عليه، زوّجها من رجل أهملها منذ ارتباطه بها, يقضى أغلب وقته فى السفر إلى أوروبا، فتتعلق بأخيه الذى كان يعطف عليها, وتتطور العلاقة بينهما إلى حبّ، ويقعان فى الخطيئة وتحمل منه, تهرب من بيت زوجها، وتبدأ معاناة أخرى فى رحلة عيشة , إذ وجدت نفسها بلا مأوى ولا دخل يكفيها شر السؤال، والمرأة إذا اتجهت إلى الشارع لن تجد غير الذئاب البشرية التى لا ترحم.
وتقدم القاصة لنا نموذجًا عن ضحيات التكنولوجيا اللواتى يتعاملن معها عن جهل ولأول مرة، فكريمة تعيش حياة هادئة مع زوجها, لم تر منه مكروها، لكن الروتين الذى تعيشه وشعورها بالملل لأن زوجها يقضى كثيرا من الوقت فى العمل، دفعها للارتباط بصداقات عبر الفيس مع إناث من مختلفات, ولم تكن تدرى أن هذا الفضاء الافتراضى قد يأتى بما لا يتوقعه صاحبه، حيث تعرفت كريمة على صديقة افتراضية باسم مستعار, حكت لها تفاصيل حياتها الزوجية, والبرود العاطفى الذى تعانيه مع انشغالات زوجها بأمور العمل، ولم تكن الصديقة التى حملها لها الفيس فى الحقيقة سوى رجل تسلل إلى حياتها باسم امرأة، ثم باح بحقيقته ووعدها بالأمان, واستمرت علاقتهما، ووصل بها الأمر إلى استقباله فى بيتها الزوجى فى غياب زوجها، لبّت نداء نزوة عابرة, ليختفى هذا الصديق من حياتها, بعد حظره لها فى مواقع التواصل الاجتماعى حين تحمل منه وتنجب بنتًا، ويكتشف زوجها بأن هذه الطفلة ابنة خطيئة, ويكون مصير كريمة وابنتها الشارع الذى لا يرحم أبدًا.
ألوان باهتة تنوعت موضوعاتها، ركزت يشو فيها على المرأة وافتقادها للحبّ والحنان, والاهتمام والوفاء، ومعاناتها داخل المجتمع الذكورى، وهى قصص واقعية استوحتها من واقعها الاجتماعى، ولم توظف الخيال إلا فيما كان يخدم سرديتها.