انزياح المعنى فى ”المنطقة الخضراء.. نصوص فى استنطاق المكان”
مؤيد عليوى
فى اللحظة الإبداعية ينفلت الشعر على غير حسابات وتمحيص من الزمان والمكان، فتصدر مجموعة شعرية للشاعر عبدالحسين برسيم عن الاتحاد العام للأدباء والكتّاب فى العراق ٢٠٢٤م، بعنوان لافتٍ "المنطقة الخضراء.. نصوص فى استنطاق المكان"، يحمل أكثر من معنى متصل بنصوصها، فينزاح المعلن من العنوان "المنطقة الخضراء" إلى أكثر من معنى فى كل نص، فيما يعطى تبئير المكان - أقصد تفاعل الشخصيات فى المكان - صورة فنية وشعرية، تتلمسها حين المعنى من فعل القراءة، ففى نص "الحرس القديم" الذى تكوّر به معنى العنوان، المكان "المنطقة الخضراء" بدلالة السلطة القديمة الجديدة، حيث النص يبوح برفض عسكرة المجتمع وأفراده، وهم يُساقون للعسكرة بفعل السلطة المكان قديمًا وحديثًا فى كل نظام:
("الحرس القديم "
يجيدون إلقاء التحية العسكرية
وينسون السلام
لأنهم رضعوا الحرب
من السواتر العتيقة)
كما يذهب العنوان"المنطقة الخضراء" إلى حياة الناس ومعاناتهم فى بيوتهم، وهى أيضًا منطقة خضراء أمنة، بما تعنى المنطقة الخضراء من اصطلاح سياسى وأمنى، لكن لها معاناة ينطق بها المكان فى نص "المطلقات الصغيرات" فى خمس مقاطع مُعلَمة من (١- ٥)، اذ النص يتفرد بلغة جديدة غير المألوفة، ونقرأ فى المقطع الأول:
("المطلقات الصغيرات"
الصغيرات على صبر المنازل
وترتيب مائدة الطعام
يعزلن الورد من الأوانى
وينثرن القمح للعصافير
فى المساء
لم يبق للعائلة
إلا صورة الجوع)
الصغيرات متصلة بعنوان النص مطلقات، فالجوع هنا له معنى الحاجة للرجل بعد طلاقهن، النص بمقاطعه الخمس، يلقى اللوم على أهلهن وأهل أزواجهن الصغار مثلهن، فى السعى للزواج المبكر دون حسابات مسبقة، لكن اللوم كان بطريقة خفيّة يقع خلف المعنى الظاهر، عندما تقرأه ستراه فى نسق مضمر، كما يذهب عنوان المجموعة إلى معاناة الأسرة العراقية من كلمة "البيت أو الدار"، فهو منطقة خضراء آمنة، لكن فيه معاناته ينطق بها تبئير المكان، فالمنطقة الخضراء رمز للسلطة، وفعلها المؤثر دائمًا فى حياة المجتمع، المتكون من عوائل وأسر فى نص "بيت أبى" ونص "حارس العائلة"، دون النظر الزمان أو الوقت للسلطة، بل المكان/ البيت من ينطق بمعاناة الناس، حيث الخاص فى ذاتية الشاعر للتعبير عن العام، من خلال ما ينطق به المكان، وقد كتبتْ أ.د رائدة العامرى عن هذه المجموعة الشعرية: (يعد الديوان تجربة فريدة من نوعها لاستنطاق المكان بصورة أدبية رائعة، وينتقل الشاعر فيه ببراعة من الأبعاد المتنوعة، إذ ينجح فى استكشاف عواملها الداخلية بشكل مثير؛ ليعكس العمق والغموض الذى يعيش فيه) ص ٦ من المجموعة الشعرية، فيما نجد تجلى الإثارة فى مناطق خضراء من النصوص من مثل نص
("طيور حبّ العمارة"
عندما تحط طيور الحب
فى سوق العمارة العتيق
تنشد أغنية واحدة فقط
أسمر وين مربى شارب ماى عمارة
أزقة ضيّقة وفضاء أوسع من رأس نخلة
تطاول السماء..)
وهكذا تجد الصورة الفنية تترى فى نصوص البرسيم عبد الحسين، فى تبئير المكان على النسق الظاهر والمضمر من المعنى المنزاح من العنوان "المنطقة الخضراء"، فى جميع نصوصه الخضراء بالعشق للحياة والناس والوطن، إلى أماكن يتصل بها معنى الحياة ويومياتها البسيطة، كما مرت الأماكن من السطور المتقدمة.