الزمان
جامعة طنطا تستقبل وفدا من هيئة الأمديست والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية رئيس الوزراء: لا تهاون أو مماطلة في صرف التعويضات للمتضررين من إنشاء الطرق والمحاور رئيس الوزراء: نسبة التأخير بمشروع محطة الضبعة النووية بسيطة للغاية ونتجاوزها خلال أشهر رئيس الوزراء: أبرمنا عقود تحوط على حجم كبير من المنتجات البترولية الحوثي: الاحتلال يحاول رسم واقع جديد في فلسطين.. ودور أمريكا أساسي وزير الخارجية يستقبل وفدا من أعضاء الكونجرس الأمريكي رئيس الوزراء: ملف الطاقة الجديدة والمتجددة هو شغل الحكومة الشاغل حاليا لليوم الثاني على التوالي.. الغربية تواصل تكريم الطلاب الأوائل والمتفوقين الدكتور سويلم يشارك في جلسة استراتيجيات مائية جديدة بمنطقة شمال افريقيا والبحر المتوسط محافظ مطروح يبحث التنمية مع مديري مديريات التعليم والصحة الدكتور سويلم يلتقي وزير الشئون الريفية والبنية التحتية السويدي هيئة الخدمات البيطرية تستعرض مع وفد الفاو جهود مصر في مجال الصحة الواحدة ومكافحة الأمراض المشتركة
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

سماء عربية

تثقفى بالقراءة والاطلاع سبب تأخر دخولى عالم الإبداع

سمير المنزلاوى: بطاركة النقد منحوا صكوك الشهرة لمن يجيدون التملق

حوار: أبوالحسن الجمال

سمير المنزلاوى روائى وقاص فذ تمسك بالبقاء فى قريته الصغيرة "منية المرشد" فى أحضان الدلتا نبع الخير والإبداع، رافضًا الهجرة للمدن الكبيرة سعيًا وراء الأضواء، وصار طابع البريد نافذة اتصاله بغيره من الأدباء والتعرف عليهم وعلى جديد الأدب، فى زمن لم تكن (الشللية) قد استفحل أمرها بعد.. تأخر فى الكتابة ليتزود أولًا عبر القراءة بصنوف المعرفة، وأفادته دراسته فى قسم اللغة الإنجليزية فى كلية الآداب بجامعة الإسكندرية فى صقل تجربته، فقراءته لأدباء الإنجليزية فى الشعر والنثر أثرته كثيرًا، إذ استطاع المزاوجة بين حداثة الآداب الغربية، وأصالة التراث العربى، وتبدى هذا جليًا فيما أبدعه من روايات: "شعاع هرب من الشمس"، "موسم الرياح"، "الدكان"، "بلاد تصلح للحزن"، الشرفات"، "الطوالع"، و"ليس له من أثر"، ومجموعات قصصية: "يوميات النبأ العجيب"، "الفارس"، "اللافتات"، "أشواق قديمة"، "جدتى تحكم العالم ليلًا"، "القارب يسبق البطات"، والأخيرة مجموعة قصص للأطفال.

وفى السطور التالية نحاوره ونسرد معه تجربته فى عالم الكتابة، والصحافة الإقليمية التى قدم عبر صفحاتها وجوهًا أدبية احتلت مكانًا مميزًا فى ساحة الإبداع، والقرية التى نشأ فيها ولم يغادرها، وتجربته فى عالم الرواية والقصة وكيف استقبلها النقاد وموضوعات أخرى سوف نطالعها فى حوارنا التالى.

ابتدرناه بسؤاله عن بداية رحلته فى عالم الإبداع.

قال: بدأت بالقراءة، وربما تأخرت الكتابة بعض الشىء، وكان هذا التأخر نعمة عظيمة، حيث بدأت محتشدًا بشتى أنواع الثقافات والتجارب والتأملات، التى خلقتها القراءة فى شتى مناحى الحياة.

كانت البداية أوراقًا مختلطة يشتريها أبى ليغلف بها البضاعة، ووجدتنى وجهًا لوجه مع يوسف السباعى ويوسف إدريس وحلمى مراد ومترجمات مثل: البؤساء، وأحدب نوتردام.

أحيانًا كانت الرواية تأتى مبتورة ومفقودة البداية أو النهاية، فأحلم بإكمالها واستيقظ سعيدًا.. وكان لمكتبة المدرسة أيضًا دور فعال، حينما كان المدرس يعشق مهنته، ويكتشف المواهب من خلال موضوعات التعبير والإذاعة المدرسية.

ربما حاولت فى المرحلة الثانوية أن أقلد، بعد أن اكتظت مخيلتى، لكنها كانت محاولات ساذجة تنقصها الخبرة والممارسة، وفى الجامعة ازداد الوعى والتأمل، فكانت ولادة روايتى الأولى "شعاع هرب من الشمس".

وفى ضربة حظ أرسلتها مع قريب لى لتدخل مسابقة نادى القصة، وكانت المفاجأة أن الأستاذ فتحى العشرى كتب عنها فى الأهرام، وذهبت إلى القاهرة الأسطورية، لأرى الراحلين توفيق الحكيم، ثروت أباظة وعبدالعال الحمامصى، وبدأت علاقة قوية بكل أدباء مصر عن طريق طابع البريد.

فى تلك الأيام الخالية كان هناك إنسان وناقد فذ هو د. عبدالقادر القط، فتح لى صفحات إبداع، وكتب عنوانى تحت القصص، فانهالت على الرسائل من كل حدب وصوب.

وكان نشر روايتى الأولى يشبه المعجزة، فمن خلال رسائل مع الأديب الراحل عبدالستار خليف، طلب أن أبعث له الرواية مخطوطة، كنت أظنه يود الاطلاع عليها فقط، لكنه ذهب بها إلى هيئة الكتاب، وقدمها لإدارة النشر، لأتفاجأ بها بعد فترة ليست بالقصيرة مطبوعة بالمكتبات.

لم يكن مصطلح الشلة والسبوبة والمعارف والمصالح قد وجد بعد، كان الجو نظيفًا صحيًا، والفن هو المعيار الوحيد، ولولا رجال شرفاء ما استطعت من قريتى أن أحقق شيئًا.

*وهل أفادتك دراستك للغة الإنجليزية فى مسيرتك الأدبية؟

- اللغة الإنجليزية ثرية جدًا، خاصة فى الأدب بجميع أنواعه من نثر وشعر ومسرح، وهى جسر يمتد إلى أدب اليونان القديم بكل عبقه وأساطيره. وتمتاز أيضًا بعدم الاطناب والاقتصاد فى الكلمات لحساب المعنى، كما تنقل مفردات الحياة الحضرية بكل وضوح.

وقد استفدت كثيرًا من شوامخ الأدب الإنجليزى وترسب فى عقلى وضميرى نوع من الانبهار بالحضارة الغربية، استمر طويلًا يلازمنى، لكننى فجأة شعرت بحاجتى إلى الاشتباك مع التراث العربى، وكانت رحلة طويلة بدأت بالتصوف وأقطابه كابن عربى والجيلانى، ثم امتدت لتشمل التاريخ والفلسفة وعلم الكلام وكتب الأدب القديم.

عندئذ استراحت نفسى لعثورها على منابعنا، وتيقنت من رسوخ حضارتنا وأنها لا تقل عن حضارة أوروبا، لكنها فقط تحتاج إلى تنقيب واستخلاص.

وبجناحى اللغة الإنجليزية والتراث العربى بدأت أجرب الطيران، بلا تركيز على أحدهما دون الأخر، وبلا تعصب أو تحيز، وهذا التنوع ربما ظهر فى أعمالى، فأصبح مصير الإنسان هو شاغلى، وحياته هى هدفى.

*الكل يذهب إلى القاهرة عاصمة الأضواء والشهرة، فيما فضلت الإقامة فى قريتك منية المرشد، ماذا تمثل لك منية المرشد؟

- بطبيعة تكوينى النفسى لا أحب المدن الضخمة والبنايات الشاهقة، ويصيبنى الدوار فتتوقف أجهزتى تقريبًا، إذا قضيت عدة ليال فى القاهرة، وحتى فى الإسكندرية القريبة، وطوال فترة دراستى بآداب الإسكندرية كنت مريضًا بدوار المدن، ولعل تفسير ذلك أن منية المرشد مناسبة تمامًا لى، فهى على شاطئ بحيرة البرلس بكل عبقها وغموضها وجمالها، كما أن النيل يمر أمامها شامخًا حتى المصب، هى بيئة سائلة سهلة تسر النظر والقلب، بيئة الحكايات عن الجن والإنس، فى المقاهى المنتشرة والجوامع وعلى المصاطب وفى قيعان البيوت.

حياة بكر منعشة نتشمم فيها روائح السمك المشوى والمقالى الرائعة، وترى قبة مؤسسها تملأ كل الفراغات، ويقال إنه يعس فى الهزيع الأخير من الليل، ورآه الكبار على حصانه مبتسمًا لهم.

هنا قضى الرحالة ابن بطوطة ليلته، وكتب عن المرشدى المؤسس، وكانت تأتيه الوفود فى طلب الخطة فيولى ويعزل، وقد يأتى شخص لزيارته وفى ذهنه أن يجد طعامًا أو خلوة، فيجده ولو فى غير إبانة، وقد زاره الملك الناصر محمد بن قلاوون بموضعه عدة مرات.

هنا القناعة والرضا والطيبة والسعى وراء الرزق المخبوء فى الماء، قرية أنشأها ولى صالح، ما يزال يلقى بظله على الجميع، ولا تنقطع كراماته، فيأتيه الزوار من كل حدب وصوب، وإن كانت الزيارات قد قلت كثيرًا.

منية المرشد حكمها بعد المرشدى أبناء شقيقة سعد زغلول، وتحول الوقف إلى وسية، يعمل فيها الكل بلا تمييز، هذه القرية تجذب من يغادرها كالبحر العفى، قد تهمله بعد الرجوع وقد تتركه يقاسى، لكنها لا تقبل بالابتعاد.

ذات يوم اجتمعت وزارة النحاس بأكملها فى منية المرشد، لأن عمدتها فتح الله بركات كان هو نفسه وزير الزراعة.

يقال أحيانًا إن ارتباطى بالقرية أضاع منى فرصًا لا بأس بها، لكن هذا لا يزعجنى أبدًا، فالحب له أعراض جانبية، تتضاءل أمام الراحة والسكينة وحب الناس.

* حدثنا عن الصالون الأدبى الذى تقيمه فى بيتك بالقرية.

- هو ليس صالونًا بالمعنى الاصطلاحى، من المناسب أن نطلق عليه قعدة أو لمة أصدقاء، يجمعهم حب الأدب والثقافة، ومكانه ليس ثابتًا وكذلك موعده، فربما يعقد فى منزلى أو منزل أحد الأصدقاء أو فى مركز الشباب أو فى المقهى، وقد يعقد فى الطريق أثناء النزهات اليومية، والحديث يدور عن الكتب الحديثة والقديمة والمحاولات الشعرية والقصصية، ومنية المرشد بها عدد كبير من الشعراء والقاصين.

دعونا عددًا لا بأس به من مبدعى مصر، واستمعوا إلى تجاربنا وتناقشوا حولها، وفى الوقت الحالى ثمة حالة كسل عام، وتوقف شبه تام للنشاط، والغريب أن أحدًا لم يستطع تحديد السبب، لكن هناك أملًا فى استعادة الحيوية.

*عملت فترة ليست بالقصيرة فى الصحافة الإقليمية، مشرفًا على الصفحة الأدبية ماذا أثمرت هذه التجربة؟

- كانت تجربة عميقة وثرية وإضافة حقيقية لى للتعرف على قاعدة الحركة الأدبية، فى المدن الصغيرة التى يمكن تسميتها مدنًا ريفية، وفى القرى والتجمعات الكبيرة وفى النجوع الصغيرة المتناثرة بلا نظام حول النيل.

عندما ظهر اسمى مشرفًا على صفحة الأدب حدث تغير كبير، حيث اختفت قصائد ركيكة تمدح المسئولين الكبار أو تتكلم عن مناسبات وطنية ودينية.

ثمة موردون لهذا النوع موجودون فى كل محافظات مصر، وأجزم أنهم من أسباب انهيار الشعر وجموده، وتوقفه عن التحليق والسمو لصالح مدرسى اللغة العربية وباعة البضاعة المنفلوطية.

عانت محافظتى طويلًا من البطاركة، وانزوى الموهوبون الذين لا يجيدون التملق والمداهنة وإقامة الولائم، ليحصلوا بعدها على صكوك الغفران، وتفتح لهم الأبواب زورًا وبهتانًا.

فوجئت برسائل من كل مكان، وذهبت إلى أصحابها فى أماكنهم وتعارفنا إنسانيًا وأدبيًا، وأصبح يوم اجتماع التحرير مناسبة لإقامة ندوة فى الجريدة، وبدأت الصفحة تؤتى ثمارها لا سيما باب "أهلا بكم" الذى يخاطب المبتدئين، وظهرت أنوار المواهب بعد طول إهمال وتهميش، وأصبحت الصفحة مقروءة بشهادة رئيس التحرير، الذى يرى وفودًا تأتى لتقابلنى أو ترسل مئات الرسائل.

سنوات من الازدهار مرت ومعها تشجيع من الجميع، لدرجة أن الجريدة صارت تختفى يوم صدورها بلا مبالغة، وكسبت الحركة الأدبية روائيين وشعراء ومسرحيين، يتقدمون الصفوف الآن، وأثبتت تلك المحاولة أن الاخلاص هو المحك، وأن كل قادر على العطاء، ينبغى ألا يتخلف أو يتأخر، لأن العطاء رسالة سامية.

*ما الموضوعات المحببة لك وتتناولها فى أعمالك وما تأثير البيئة فى هذه الأعمال؟

- من أحب الموضوعات لى والتى أتناولها بصور مختلفة فى أعمالى، المكان الفنى وعلاقته بالإنسان، وشتان بينه وبين المكان الجغرافى المستقر، فالمكان الفنى مختلق ومرسوم بحرفية فنية وخيال مجنح، وهو غير موجود بالطبيعة، ومن ثم يجلب معه شخوصه المرتبطة به، وتكون المحاورة بين هؤلاء ومكانهم هى محصلة العمل الفنى، فلكل بيئة أهلها بأفكارهم وتاريخهم وخرافاتهم وأساطيرهم وتحققهم على القاعدة المكانية, وخلق الأماكن الفنية يحتاج إلى أناة وتأمل قد يستغرق سنوات، لأنه يحتاج إلى وقت طويل للتعرف على الفوقية والتحتية والداخلية من مفرداته، وبطبيعة الحال أحاول أن تكون آثار أقدامى هى الأولى فى المشهد، ولم يطأها أحد من قبل.

البيئة التى أعيش فيها تؤثر على بلا شك، فالبحر والبحيرة والنوات والصيد والحكايات والسيولة فى الشخصيات الملتصقة بالماء، وسرعة الغضب والرضا المشتقان من الطقس والتضاريس، والايمان العميق إلى حد التصوف، كل هذا يتبعثر أمامى حين أشرع فى الكتابة، وغالبًا لا يظهر ذلك بحالته الأولى، بل يخضع للتشكيل والتنكير والتواؤم مع المكان المفترض، والطبيعة أيضًا لها فعل السحر، ونزهاتى اليومية تحوى أحاديث مع الأشجار والنباتات والطيور.

*وكيف استقبل النقاد أعمالك؟

- استقبل النقاد الشرفاء أعمالى المبكرة بالتشجيع والمدح، قال الراحل عبدالعال الحمامصى فى برنامج "مع الأدباء الشبان": "هو الكاتب الوحيد فى سلسلة إشراقات أدبية، الذى لم أستطع أن أجد له خطأ لغويًا واحدًا. وكذلك ناقش الراحل جلال العشرى أعمالى وتنبأ بكاتب واعد.

وعندما صدرت مجلة "إبداع"، كان الراحل د.عبد القادر القط، ينشر لى تباعًا، ويكتب عنوانى، فأتلقى عشرات الرسائل، وذات مرة مرضت فترة، فأرسل لى د. القط بخط يده مستفسرً عن سبب توقفى عن إرسال قصصى. لم تكن هناك عصبيات ولا تجمعات، بل النص هو الحاكم والمهيمن.

كما كتب عنى فتحى العشرى والراحلين فتحى سلامة فى الأهرام، ود. يسرى العزب فى مجلة الاذاعة والتليفزيون دون أن أخطو خارج بلدتى.

click here click here click here nawy nawy nawy