فى ذمة الصمت
ماجدولين أحمد صالح
تفوقَ حزنى على بياض الورق ولم يكترث لإلحاحِ القلم.. كيف لا وقد غادرتُ أصقاع المكان، ولم يبقَ سوى ذكرى متشبثة بعروقى أبتْ أن تحذف من مخيّلة النسيان.
تتراءى لى مشاهد من حياةٍ غابرة..
إنها الليلةُ العاشرة من ديسمبر.. فردَ الليلُ أجنحته وتربّع على عرش المساء، أجواءٌ مضطربة وماطرة تجتاحُ المدينة..
فى المشفى كل شىء يبدو غريبًا وجوهُ المرضى، الأطباء حتى عمال المشفى شعروا بأن مؤامرةً تحاك ضدها، يتهامسون بكلماتٍ خافتة، وتحاولُ هى استراق السمع، فتخذلها أذناها.. غافلها، أشعلَ غيلونه بتكاسل، وأخذ ينفثه يمنى ويسرى، لتتصاعد فقاعاتُ دخانه وكأنها تواسيه، فيتراءى أمامه طيفُ وجهه الباسم قبل أن يسحقه الظلام.
تلمحه وهو يراقبها من بعيد بكلتا عينيه المتضيقتين.. تساورها شكوكٌ بأنه يخفى حقيقةً مرة.
يشيحُ نظره عنها، يدارى نزيفه متمتمًا فى سره ما أصعب إخبارها أن ملاكهما الذى أنار حياتهما لتسع سنوات مصابٌ بفتحة بالقلب، ويحتاج لعمل جراحى خطير.
تحدث نفسها: لماذا يتجنب محادتثى لعله يصطنع ذريعةً للتهرب؟! هتفت:
- أين جود صغيرنا الفاتن؟! أهو بخير؟ لماذا لا تجيب؟
ترمقهُ من خلف زجاج النافذة كشهابٍ مرّ مسرعًا.. ينتابها ذعرٌ، يوقعها فى شباكه.. يتعالى حدس أمومتها تكتم غصتها.. يحاول تهدئتها.. يتصاعدُ صوتها المحبوس ليثقبَ جدران المشفى:
- أعيدوا صغيرى؟ أعيدوا صغيرى..؟ رحمةً بطفلى يا الله..
- لا تأخذوه إلى غرفة العمليات فجسده الصغير لا يتحمل وخزَ إبرة، تنهار يحقنونها بمهدّئ ريثما تستعيدُ وعيها وهدوءها..
تمرّ الساعات بطاء وصمت بارد ينتزع قلب الحياة.. ليفجعهم الطبيبُ بخبر وفاته.