ملامح شخصية: عبدالحميد العبادى المؤرخ الأديب
أحمد سليم عوض
المؤرخ الأديب هو الوصف الذى اختاره د.علاء مصرى النهر فى كتابه ليصف به العلامة عبدالحميد العبادى، أحد أبرز الأسماء التى صنعت مجدها العلمى والتَّعليمى والثقافى، خلال النصف الأول من القرن العشرين، فحبه للطبيعة –لا سيما البحر- والعزلة والماضى البعيد، انعكس علىٰ لغته وذوقه الأدبى، وصنع منه شخصًا ذوَّاقًا للنفائس الأدبية، وجعل الأدب يزاحم التاريخ بداخله، فامتزج الأدب بالتاريخ فى كتاباته، وقد ذكره الكاتب الصحفى سامح كريم فى كتابه "موسوعة أعلام المجددين فى الإسلام" كرائد للتاريخ الإسلامى خاصة فى جانبه السياسى والاجتماعى، وهو من جيل الأوائل الذين أسسوا الجامعة المصرية، وأسهموا فى الحياة الجامعية على أسس قوية متينة، إذ كان أستاذ التاريخ الإسلامى وأول عميد لكلية الآداب بالإسكندرية.
ولد العبادى فى حى رأس التين بالإسكندرية فى 21 مارس سنة 1892م، وتَخَرَّجَ فى مدرسة المعلمين العُلْيا وحصل على دبلومها بتقدير عال، وعمل مدرسًا للتاريخ بعدد من المدارس، وحين أنشئت الجامعة المصرية (جامعة القاهرة) سنة 1925م دعاه رئيسها أحمد لطفى السيد باشا لتدريس التاريخ الإسلامى بقسم اللغة العربية، وفى سنة 1930 دعى لتدريس مُقَرَّر السِّيرَة النَّبَوِيَّة لطلبة كلية اللغة العربية بالأزهر، ولشهرته فى الدراسات التاريخية انتدبته الحكومة العراقية لتدريس التاريخ بدار المُعَلِّمِينَ العُلْيَا بِبَغْدَاد سنة 1935م،وفى سنة 1942 صدر قرار من وزارة المعارف العُمُومِيَّة بنقله إلى الإسكندرية، بعد إنشاء جامعة فاروق الأول فعُيّن عميدًا لكلية الآداب ورئيسا لقسم التاريخ، وأستاذًا لتدريس التاريخ الإسلامى بها، وظل يشغل هذا المنصب من 23 أغسطس سنة 1942 وحتى تقاعده فى 22 أغسطس سنة 1952م، فكان أول عَمِيدٍ للكلية وأول رئيس لقسم التاريخ بها، وتقديرًا لدوره فى الحياة الجامعية منحه الملك فاروق الأول رتبة البكوِيَّة سنة 1949م.
ومن أهم إنجازاته الثقافية تلك المشاركة مع كبار مُثَقَّفِى مِصْر د.طة حُسَيْن وأحمد أمين، فى دراسة التاريخ الأدبى والعقلى والسياسى للعالم الإسلامى، وكان نصيب عبدالحميد العبادى دراسة التاريخ السياسى، وقد خلد د.محمد الجوادى هذا الحدث الثقافى فى كتاب عنهم بعنوان" أدباء التنوير والتاريخ الاسلامى".
ولم يُخَلِّف مؤلفات كثيرة، لكنه جمع محاضراته التى ألقاها على طلبة أقسام التاريخ فى عدد من الكتب، أهمها: "صور من التاريخ الإسلامى العصر العربى" و"صور وبحوث من التاريخ الإسلامى عصر الدَّوْلَة العَبَّاسِيَّة والمَغْرِب والأندلس»، و"المُجْمَل فى تاريخ الأندلس" و"الدَّوْلَةُ الإِسْلَامِيَّة تاريخها وحَضَارَتُهَا"، والأخير أشرفت عليه وزارة التربية والتعليم، وشارك فى كتابته مع تلميذيه محمد مصطفى زيادة وإبراهيم أحمد العدوى، كما اشترك مع د. طه حسين فى إخراج نشرة نقدية لكتاب «نقد النثر» المنسوب لقُدَامَة بن جَعْفَر البَغْدَادِى، واشترك مع المستشرق الفرنسى ليفى بروفنسال فى نشر جزء من كتاب "المُقْتَبَس فى أنباء أهل الأندلس» لابن حَيَّانَ القُرْطُبِى، وأختير عضوًا فى اللجنة التى شكلتها كلية الآداب جامعة القاهرة لإخراج كتاب "الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة" لابن بسام.
وضرب العَبَّادِى سهمًا وافرًا فى مجال الترجمة ومراجعة ترجمات تلاميذه، ومن ذلك: ترجمته "كتاب علم التاريخ" للاستاذ هرنشو وعلق عليه وأضاف إليه فصلًا فى التاريخ عند العرب 1937م، و"تَارِيخُ المَسْأَلَة المِصْرِيَّة 1875-1910" لتيودور روتشين، وكتاب "مُحَاضَرَات عَامَّة فِى أَدَبِ الأَنْدَلُس وتَارِيخها" تأليف ليفى بروفنسال، و"حَضَارَةُ الإِسْلَام لجوستاف فون جرونيباوم" وهو كتاب قام بترجمته تلميذه عبدالعزيز توفيق جاويد، وصدر أوائل السنة التى توفى فيها العبادى، ونظرًا لعدم تخصص المترجم فى التاريخ راجع العَبَّادِى الكتاب، وأدخل عليه كثيرًا من المصطلحات التاريخية التى أشاد بها المترجم فى مقدمته.
وبعد وفاة العبادى سنة 1956م وَجَّه جمال الدين الشَّيَّالِ الدَّعْوَةِ إلى عَدَدٍ من أصدقائه وتلاميذه، للإسهام بكتابة بحث فى موضوع تاريخى أو أدبى يتصل بما كان يُعنى به الأستاذ العَبَّادِى، وصدرت هذه الأبحاث فى عَدَدِ تذكارى المجلد الرابع عشر من مجلة كلية الآداب جامعة الإسكندرية أهدى إلى روحه.