فى ”هُوارية” إنعام بيوض.. انحطاط الكتابة أم كتابة الانحطاط؟
خديجة مسروق - الجزائر
يقول الناقد المغربى عبد الفتاح كليطو: "نبدأ السّرد حينما لا يكون بدّ من ذلك، ويصبح السّرد الوسيلة الوحيدة للخروج من ورطة وموقف صعب".. وورطة إنعام بيوض فى رواية "هٌوارية" اجتماعية نفسية، بسردية بسيطة زاوجت فيها بين الفصحى والعامية، تتخللها بعض الألفاظ غير اللائقة خادشة الحياء، ولتسلط الضوء على العالم السفلي، اختارت مدينة وهران كعيّنة، يمكن إسقاطها على أماكن أخرى فى الوطن العربي، وليس فى الجزائر فقط.. سردية بيوض تخطت فيها المعيارية لغاية تجريبية أو ترويجية، وأثار ذلك غضب كثير من القراء والنقاد، الذين اعتبروا لغتها منحطة تخدش ذائقة القارئ.
وهنا لنا أن نتساءل: هل مهمة الروائى تشكيل مجتمع أفلاطونى يخلو من الشّوائب؟ هل يتوجّب عليه تجميل الواقع وتهذيبه، أم تصويره بكل تفاصيله، باعتبارأنه لا وجود لمجتمع مثالى إلا فى الخيال، والتكامل بين المادة السردية والواقع كما يراه بعض الكتّاب يجعل الروائى يحقق هدفه من الكتابة؟
إن الرواية التى نالت جائزة آسيا جبار، وثار ضدها كثير من النقاد وانقسموا حولها مابين مؤيد ومعارض، تطرح هذا بأسلوب غير مباشر، فشخوصها يتمردون على النظم المجتمعية، وهذا طبيعى لأنهم نشأوا نشأة بائسة نفسيًا واجتماعيًا، وإنسان العالم السّفلى ليس له الحقّ فى أن يفكر فى لباس أنيق أو طعام لذيذ أو السكن فى بيت فاخر.. خمس عائلات فقيرة يسكنون فى حوش لأحد أصحاب المواشى الأثرياء، لكل عائلة غرفة مستقلة بينما يشتركون فى مرحاض واحد، والحوش مكان الصراع اليومى الذى يحدث بينهم.
هٌوارية شخصية ثانوية فى الرواية، بينما شخصية هدية التى ظلت هُوارية ترافقها فى تنقّلاتها المشبوهة، هى فى نظرى الشخصية المحورية والمحرك الرئيس للأحداث، ولا ندرى كيف اختارت الكاتبة هُوارية عنوانًا لروايتها، مع أنها ليست البطلة الرئيسية، وهوارية شابة تسكن الحوش مع والدتها وأخيها هواري، ميلادها كان صاعقة على أبيها، الذى تزوج فيما بعد وطلق والدتها، لذا كانت والدتها تناديها بالمنحوسة، وهوارى ينعتها بالمصيبة كلما رآها فقط لأنها أنثى، يختفى الأب من حياتهما وتذهب الأم للعمل، أخوها هوارى ليتخطى عتبة الفقر راح يتاجر بعرضه، تنتقل زوجته هدية من ملك خاص إلى ملك مشاع لتجلب له المال، أما هُوارية فلم تكن فتاة عاهرة ترتبط بعلاقات مشبوهة من أجل المال أو الجنس، وحين اختارت هشام لتخرج معه كانت تهرب من عائلتها التى حرمتها من الحب والحنان اللذين وجدتهما فى هذا الشاب، فقسوة المجتمع الذكورى جعلت هُوارية وهدية وهاجر يسرن فى الطريق الحرام، وهوارى و هشام وهانى وغيرهم دفعتهم الظروف الاجتماعية لتسويق الممنوعات، ثم السقوط فى الهاوية، التى لم ينجُ منها الطبيب الذى تجرد من أخلاقه، ولا الصيدلى الذى كان يمرر الممنوعات تحت الطاولة، بعامة شخصيات الرواية شخصيات منحرفة، تعيش فى وسط غارق فى الرذيلة، وتدور فى حلقة مفرغة لم يحدث أى تطور واضح لها منذ البداية حتى النهاية، ومن خلال هذه السردية السوداء حاولت إنعام بيوض تعرية الواقع بطريقتها الخاصة الجامحة، لكن هل يمكننا القول بأن الأزمة أزمة أخلاقية أم هى أزمة أدبية؟ وهل هٌوارية رواية تعكس الانحطاط الذى يعصف بالمجتمع المعاصر؟ أم أنها رواية منحطة؟