الثانوية العامة مقتل التعليم فى مصر
الثانوية العامة في قفص الاتهام - بقلم الهام شرشر
ظلت مصر لقرون طويلة .... قبلة التعليم في عالمنا الإسلامي والعربي .. وقدمت الكثير والكثير في مختلف فنونه ... فتخرج من معاهدها ومن بين ظهرانها نجوم سطعت في سماء الكون ... على امتداده أفقي .. وسعة سقاعه وبقاعه ..
وفي العصر الحديث كانت سباقة في تحصيل ما انتجته الإنسانية ... من شتى ألوان المعرفة والثقافة ... حتى أصبحت البعثات التي قامت بها في مستهل القرن العشرين .. علامة بارزة في تاريخها .. يشير إليها بالاكبار والاعتزاز ...
بل كانت نقطة فارقه عززت من مكانتها ورفعت من شأنها .. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد ... بل وصدرت عصارة ما بلغته من فنون وعلوم إلى عالمنا العربي بأسره .. فاستحقت عن جدارة أن تكون بحق مركزا للإنارة بل منارة تشع في جنبات الأمة العربية ...
فأخرجت أبنائه من عار الجهل والتخلف إلى مسالك وأنوار العلم في مختلف تخصصاته ... حتى شهد لها الجميع .. وافتخر بأنه تعلم ونال أعلى الدرجات العلمية من مصر الكنانة المحروسة ...
ولأسباب متداخلة ولعوامل متباينة سياسية وثقافية وإدارية ... وأصيب التعليم في مصر بالداء العضال .. داء الركود بعد النهوض .. والجنود بعد الانطلاق والصعود ..
فكانت النتيجة أن أصبح التعليم في مصر يمثل أزمة تحتاج إلى من يعمل فيها سنن التغيير والمواكبة لمستجدات كانت متوالية متدافعة سريعة تحتاج من ينفعل معها بدرجة قريبة منها .. ويحرص على الإستفادة من القفزات النوعية في التعليم وكذلك من تجارب الأخرين ..
ليكون له المردود الإيجابي الفاعل لكن في ضوء التقارب والتخبط وفقدان الإتزان التي مرت بها العملية التعليمية في مصر مؤخرا ... كانت النتائج التي نراها تدني لا ينكر لمستوى التعليم ... تجاوز مراحله الجامعية .. وتعداها إلى ما بعد المرحلة الجامعية ...
نعم!!!... أدرك المخلصون من أبناء مصر .. أن التعليم بمراحله المختلفة .. يمر بأزمة عاتية وخاصة في مراحله الأولى ..
فسعوا في ظل امكاناتهم لأحداث التطوير اللازم .. والتغيير المطلوب .. ولكن هيهات أن يصلوا إلى ما يريدون .. في ظل مشكلات حقيقية ترتبط بسياسات التلعيم في مصر .. وتتعلق بما خصص له ميزانيات ومعالجة ما يواجه من مشكلات ...
ويكفي أن نشير إلى أزمة الدروس الخصوصية التي غارت على التعليم في مصر .. وأصبحت تملي عليها من قيمتها السلبية .. ما اختزل التعليم في «مناهج محددة» .. صورة مخزية ..
ما جعل التعليم باهتا ... لا ينمي مهارة ... ولا يكشف قدرة ... ولا يستثمر طاقة .. ولا يثقل خبرة حتى أوشكت العملية التعليمية بمفرادتها المعروفة أن تصاب في مقتل .
ويكفي هنا أن نشير إلى نظام الامتحانات الذي شارك بشكل أو بأخر في افتقاد أدني شروط « التعليم الجيد » ...
وأصبحت الامتحانات في ظل الوضع الحالي عرضه مع انخرام الذمم .. وانعدام الضمائر .. وحالة الإنقسام .. وفقدان الإنتماء إلى التسريب الامتحانات ... وافتقادها بشكلها الحالي إلى أن تصبح معيارا لتقييم المرشح لدخول الجامعة ...
إن منظومة التعليم في مصر تحتاج إلى جهود مكثفة . قد تبدأ من باب المدرسة وقبل أن تصل إلى باب الوزير ... ليتحقق ما تصفو إليه من تغيير شامل لنظام الثانوية العامة وما يستتبعه من نظم القبول في الجامعات......
إن نظام الثانوية العامة تمثل بعدا هاما في أزمة التعليم سواء أكانت محصلة لمراحل سابقة أو مقدم لمرحلة الجامعة .. الأمر الذي يستلزم تغيير منظومة التعليم والاهتمام بالتعليم الفني والصناعي الذي أصبح معيارا للتقدم... وعنوانا للحضارة الحديثة ....
وإذا كنا جادين في استعادة أمجاد مصر في مجال التعليم ... فينبغي أن نتحرك وبسرعة لنهضة علمية شاملة .. ونظام محتلف ... ولنا أن نتعرف على التجارب المتقدمة .. التي تعرف بها دول بعينها ... لنستفيد منها ... مع الحفاظ على أهداف و سياسات التعليم في بلادنا التي ينبغي أن تنطلق من أهدافه العليا وقيمه السامية ...
إن الأزمة الحالية للامتحانات كشفت عن حاجة التعليم إلى الاهتمام به والوقوف عليه والنهوض بمنظومته ... وإلا فالنتائج غير مبشرة .. والعواقب وخيمة إلى أبعد حد ...
وانتهز هذه الفرصة .. لأقول أن الصراعات العنترية مهما بلغت حدتها لن تساهم في حل المشكلة بل تزيدها تعقيدا ....
كما أن تعليق الأزمة على شخص .. فيه ظلم فادح ولن يحل الأزمة ... فالتعليم التعليم .. فهو سبيلنا إلى استرداد المكانة وطريقها إلى الاستقرار والتنمية ...