الزمان
وزير الزراعة يبحث مع الشامسي تعزيز زيادة الاستثمارات الإماراتية في التمور وزيرة التنمية المحلية تشارك في اجتماع الرئيس السيسي مع رئيس مجلس الوزراء القطري بقصر الاتحادية غدا.. محافظ بني سويف يفتتح سوق اليوم الواحد بميدان المديرية محافظ قنا يستقبل مساعد وزير العدل لتنظيم قافلة طبية وندوة تثقيفية بنادي القضاة رئيس الوزراء يلتقي رئيس الديوان الأميري لإمارة عجمان بدولة الإمارات العربية الإسكان: بدء تلقي طلبات زيادة مساحة البناء بأسطح المدن الجديدة بحد أقصى 75% الجيش الإسرائيلي يطلق النار على صحفيين جنوب لبنان وإصابة اثنين محافظ القليوبية يواصل لقاءاته الأسبوعية بالمواطنين بمدينه الخانكة محافظ المنيا يتفقد التجهيزات النهائية بالسوق الحضاري بـ”ماقوسة” استعدادا للافتتاح قريبا مديرة منظمة المرأة العربية: تمكين المرأة يحفز النمو الاقتصادي المستدام محافظ الغربية: ضبط 21,600 عبوة حلويات و1,000 كيلو مواد غذائية منتهية الصلاحية «زراعة النواب» توصي بسرعة حل مشكلة تأخر مستحقات العاملين بالتشجير
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرإلهام شرشر

مقالات الرأي مقال رئيس التحرير

دعوة‭ ‬إلى‭ ‬عدل‭ ‬عمر‭ .. ‬وما‭ ‬سواه‭ !!!!! ‬

الحلقة العاشرة 

 

ما‭ ‬أروع‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬أناس‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬لم‭ ‬ترهم‭ .... ‬ما‭ ‬أروع‭ ‬أنك‭ ‬تسبر‭ ‬أغوار‭ ‬نفوس‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬لم‭ ‬تقابلهم‭ ... ‬ما‭ ‬أروع‭ ‬أن‭ ‬تتعانق‭ ‬روحك‭ ‬مع‭ ‬أرواح‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬لم‭ ‬تصادفهم‭ .... ‬

 

ما‭ ‬أروع‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬القريبين‭ ‬منك‭ .. ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أبعد‭ ‬البعيدين‭ ‬عنهم‭ ... ‬ويا‭ ‬للروعة‭ ... ‬حيث‭ ‬تراهم‭ ‬وتسبر‭ ‬أغوارهم‭ ‬وتعانق‭ ‬أرواحهم‭ .. ‬الآن‭ ‬في‭ ‬زمان‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬الزمان‭ ... ‬على‭ ‬مر‭ ‬الليالي‭ ‬والأيام‭ ... ‬

 

تسمع‭ ‬أصواتهم‭ .. ‬تتلمس‭ ‬أقدامهم‭ ... ‬تستشعر‭ ‬أنفاسهم‭ ... ‬فتتحدث‭ ‬عنهم‭ ... ‬وكأنك‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬تعيدهم‭ .. ‬فلم‭ ‬يكونوا‭ ‬معك‭ ‬وحدك‭ ‬فقط‭ ... ‬وإنما‭ ‬تعيدهم‭ ‬ليتعايش‭ ‬معهم‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬حولك‭ ‬في‭ ‬زمانك‭ ... ‬

 

ويا‭ ‬للروعة‭ .. ‬حين‭ ‬يكونوا‭ ‬رجال‭ .. ‬صدقوا‭ ‬ما‭ ‬عاهدوا‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ .. ‬حيث‭ ‬تساعدهم‭ ‬ذكراهم‭ ‬في‭ ‬ذكرهم‭ ... ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬تتأسى‭ ‬علي‭ ‬رجال‭ ‬في‭ ‬زمانك‭ .‬‭. ‬أهدروا‭ ‬معان‭ ‬واغتالوا‭ ‬ثوابت‭ ... ‬ومزقوا‭ ‬قيم‭ .. ‬وزرعوا‭ ‬فتن‭ .. ‬فكانوا‭ ‬للأوطان‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬الزمان‭ .. ‬نقاط‭ ‬سوداء‭ ... ‬تلزمنا‭ ‬باستدعاء‭ ‬ذلك‭ ‬الماضي‭ .. ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الشرف‭ !!! ... ‬وأي‭ ‬شرف؟؟؟‭!! .. ‬شرف‭ ‬الأحرار‭ ... ‬شرف‭ ‬الحكام‭ .. ‬النبلاء‭ .. ‬الفرسان‭ .. ‬شرف‭ ‬القائد‭ ‬المغوار‭ ... ‬

 

وبعد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلي‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‮»‬‭ ... ‬ترك‭ ‬لنا‭ ‬قائدا‭ .. ‬حاكما‭ .. ‬شريفا‭ .. ‬نبيلا‭ .. ‬فارسا‭ .. ‬تفوح‭ ‬رائحته‭ ‬دوما‭ ‬بين‭ ‬الليالي‭ ‬والأيام‭ ... ‬لتعبق‭ ‬الزمان‭ ‬حين‭ ‬يئن‭ ‬لحظة‭ ‬تحول‭ ‬حكام‭ ‬أو‭ ‬قادة‭ ‬إلى‭ ‬أقزام‭ ... ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬هكذا‭ ‬وقد‭ ‬خدعونا‭ ‬باحكام‭ ... ‬

 

تكون‭ ‬الاستعانة‭ ... ‬بابن‭ ‬الخطاب‭ .. ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ... ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬علينا‭ ... ‬ليطهرنا‭ ‬من‭ ‬عارهم‭ ... ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يعز‭ ‬علينا‭ ‬فيه‭ ... ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬يتصدي‭ ‬لهم‭ ... ‬

 

لنعلي‭ ‬نحن‭ ‬ذكراه‭ ... ‬بإعلاء‭ ‬ذكره‭ ... ‬ليتنا‭ ‬نعيد‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬زمن‭ ‬الرجولة‭ ... ‬زمن‭ ‬الشهامة‭ ... ‬زمن‭ ‬الشرف‭ ... ‬زمن‭ ‬الإنسانية‭ .. ‬زمن‭ ‬القوة‭ ‬وإنما‭ ‬العادلة‭ ... ‬زمن‭ ‬الكلمة‭ ‬وإنما‭ ‬الراجحة‭ .. ‬زمن‭ ‬القرار‭ ‬وإنما‭ ‬الحكيم‭ .. ‬

 

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الخيانة‭ .. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الغدر‭ .. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬النفاق‭ .. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الرياء‭ ... ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الديكتاتورية‭ .. ‬

 

أسطر‭ ‬كلماتي‭ ‬وتقطر‭ ‬أسي‭ ‬وألم‭ ‬وحزن‭ ... ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬تركيا‭ ‬الحبيبة‭ .. ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬دماء‭ ... ‬مسلمين‭ ‬غاليين‭ ... ‬هم‭ ‬بقايا‭ ‬لدولة‭ ‬رفعت‭ ‬لواء‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬طويلا‭ ... ‬فزادوا‭ ‬من‭ ‬همومي‭ ‬أيهم‭ ‬أنعي‭ .. ‬على‭ ‬من‭ ‬أبكي‭ ‬عليهم‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬أرض‭ ‬الميعاد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ... ‬أم‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭ ‬المباركة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ... ‬زم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬العراق‭ ... ‬أم‭ ‬غيرهم‭ ‬وهم‭ ‬كُثر‭ .... ‬

 

تركياالتي‭  ‬ينال‭ ‬منها‭ ‬أعداء‭ ‬الإسلام‭ ‬اليوم‭.. ‬انتقاما‭ ‬من‭ ‬شرفها‭ ‬في‭ ‬نضالها‭ ‬الذي‭ ‬أذلهم‭ ‬طويلا‭ ‬لقرون‭ ‬مضت‭  ... ‬واليوم‭ ‬تلقى‭ ‬هتفها‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬أحد‭ ‬أبنائها‭ ‬الذي‭ ‬تلفظه‭ ‬أرضها‭ .. ‬ويتنكر‭ ‬منه‭ ‬شعبها‭ .... ‬ويستَعِر‭ ‬منه‭ ‬شرفها‭ ... ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كشف‭ ‬سترها‭ ‬بامتهان‭ ‬كرامة‭ ‬جيشها‭ ... ‬تشفيا‭ ‬فيه‭ ‬ليكون‭ ‬خير‭ ‬هدية‭ ‬لأعدائها‭ ... ‬بأحط‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬سبل‭ ‬الانتقام‭ ‬منها‭ ....‬

 

مما‭ ‬يدفعني‭ ‬إلى‭ ‬علو‭ ‬صوتي‭ ‬بنحيب‭ ‬مؤلم‭ .. ‬بنداء‭ ‬يدوي‭   .... ‬أين‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬؟؟؟‭!!! ..‬

ادرك‭ ‬شرف‭ ‬المسلمين‭ ‬يا‭ ‬عمر‭!!!!!..... ‬يمتهن‭ !!!! .... ‬رجل‭ ‬يرفع‭ ‬شعارك‭ ‬وشعار‭ ‬نبيك‭ ‬المصطفي‭ ‬بلا‭ ‬حياء‭ ... ‬

 

يا‭ ‬عمر‭ .... ‬فيكون‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬سبة‭ ‬وعار‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬بها‭ ‬مسلم‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬كافر‭ ... ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مزدجر‭ ‬؟؟؟‭!!!!!... ‬

 

تعالى‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ .. ‬أعد‭ ‬شرف‭ ‬الحكام‭ .. ‬إعلى‭ ‬راية‭ ‬القادة‭ ‬العظام‭ ... ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬بعيدا‭ ‬جسدا‭ ... ‬لست‭ ‬بعيدا‭ ‬روحا‭ .. ‬

 

أخاطبك‭ ‬وكأنك‭ ‬موجود‭ ‬بيننا‭ !!! ... ‬كأني‭ ‬اراك‭ ... ‬هل‭ ‬يتمثل‭ ‬بك‭ ‬قائد‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ .. ‬هل‭ ‬يقود‭ ‬حلم‭ ‬الخلاص‭ ‬أمل‭ ‬النجاة‭ .. ‬من‭ ‬ديكتاتور‭ ‬تركيا‭ !!!!!! ... ‬ومُغَيب‭ ‬سوريا‭ !!! .. ‬وغائب‭ ‬العراق‭!!! ..... ‬

 

وآخرين‭ ‬باعوا‭ ‬قضاياهم‭ ‬فترنحت‭ .... ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬أُسيلت‭ ‬دماؤها‭ ‬فوق‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬الحبيبة‭ ... ‬وفوق‭ ‬أرض‭ ‬لبنان‭ ‬الشقيقة‭ .. ‬وعلى‭ ‬أرض‭ ‬اليمن‭ ‬العزيزة‭ ... ‬وغيرهم‭ ... ‬

 

ولا‭ ‬أدري‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬مصر‭ ... ‬لذلك‭ ‬الدور‭ ... ‬والذي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لن‭ ‬تسعى‭ ‬خلفه‭ ‬لمجرد‭ ‬الريادة‭ ... ‬فهي‭ ‬رائدة‭ .... ‬وإنما‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬حثيثا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الله‭ ‬ورسوله‭ .. ‬لصالح‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬؟؟؟؟‭!!!!! ...‬

 

حلم‭ ... ‬أمل‭ ... ‬أن‭ ‬نرفع‭ ‬شعار‭ ‬دولة‭ ‬عمر‭ .. ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬والريادة‭ ... ‬

 

لن‭ ‬ينتهي‭ ‬حلمي‭ .. ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬قلمي‭ ... ‬طالما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬روحي‭ ‬تهفو‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الغاية‭ ...‬

إنها‭ ‬كلمات‭ ‬يا‭ ‬ليتها‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬ورق‭ .. ‬ولكنها‭ ‬رسائل‭ ‬تصل‭ ‬الأفق‭ ..... ‬

 

‭             ‬ها‭ ‬هي‭ ‬خطبة‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ... ‬ها‭ ‬هي‭ ‬كلمات‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ ... ‬ها‭ ‬هي‭ ‬ألفاظ‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ...  ‬لإحتواء‭ ‬كل‭ ‬الخلق‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ... ‬

 

‭             ‬كانت‭ ‬كلمات‭ ‬‮«‬الفاروق‭ ‬العادل‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تمس‭ ‬القلوب‭ ... ‬تُشجن‭ ‬الضمائر‭ ... ‬تُطرب‭ ‬النفوس‭ ... ‬تُحيي‭ ‬الوجدان‭ ‬وتُعلي‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬العقول‭ ... ‬

 

‭             ‬فكانت‭ ‬‮«‬خطبة‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬سماء‭ ‬المدينة‭ ‬أفراحا‭ ... ‬و‭ ‬أذهبت‭ ‬عن‭ ‬أرضها‭ ‬أحزانا‭ .. ‬وشاع‭ ‬وذاع‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ألحانا‭... ‬‭ ‬

 

‭             ‬فكانت‭ ‬‮«‬ألفاظ‭ ‬عمر‭ ‬أوتارا‮»‬‭ .. ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬عازفا‭ ‬مهارا‭ ... ‬الذي‭ ‬اخُتير‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬سبع‭ ‬سماوات‭ ‬كأنه‭ ‬خليفة‭ ‬مختارا‭  ... ‬

 

‭              ‬لكنها‭ ‬أبدا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬خطبة‭ .. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬فقط‭ ‬كلمات‭ ... ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أبدا‭ ‬ألفاظ‭ .. ‬كانت‭ ‬تليينا‭ ‬لقلوب‭ ‬غلاظ‭ ... ‬حيث‭ ‬رسم‭ ‬للزمان‭ ‬أعظم‭ ‬العبر‭ .. ‬وأخلص‭ ‬الْوِعاظ‭ ..  ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬عمل‭ ‬وشقاء‭ ... ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬المحنة‭ ... ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬المسئولية‭ .. ‬

 

إنــــــها‭ ‬كانــــــت‭ ‬بـــــــداية‭ ‬لأعظم‭ ‬خــــــــلافة‭ !!!!! ‬خلافة‭ ‬عمر‭ !!!!! ... ‬

 

‭            ‬حرص‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬الفظ‭ ‬الغليظ‭ ‬القلب‭...  ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ينفض‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ... ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ناصحاً‭ ‬مريداً‭ ‬للخير‭ ‬لهم‭.... ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينفعهم‭... ‬كأن‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬أذنيه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ :‬‮«‬فَبِمَا‭ ‬رَحْمَةٍ‭ ‬مِنْ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬لِنْتَ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬وَلَوْ‭ ‬كُنْتَ‭ ‬فَظًّا‭ ‬غَلِيظَ‭ ‬الْقَلْبِ‭ ‬لاَنْفَضُّوا‭ ‬مِنْ‭ ‬حَوْلِكَ‭ ‬فَاعْفُ‭ ‬عَنْهُمْ‭ ‬وَاسْتَغْفِرْ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬وَشَاوِرْهُمْ‭ ‬فِي‭ ‬الأمْر‮»‬ِ‭ ‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭... ‬

 

‭         ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬دعاءه‭ ‬لما‭ ‬تولى‭ ‬الخلافة‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬إني‭ ‬شديدٌ‭ ‬فليني‭....‬‮»‬‭ ... ‬وقد‭ ‬استجاب‭ ‬الله‭ ‬هذا‭ ‬الدعاء‭... ‬وامتلأت‭ ‬نفس‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬بالعطف‭ ..‬والرحمة‭ ..‬واللين‭ ...‬وأصبحت‭ ‬من‭ ‬صفاته‭ ‬بعد‭ ‬توليه‭ ‬الخلافة‭... ‬فقد‭ ‬عرف‭ ‬الناس‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬عهدي‭ ‬الرسول‭ ‬وأبي‭ ‬بكر‭ ‬شديداً‭ ‬حازماً‭..‬‭. ‬وصوره‭ ‬لنا‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬الشخص‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬مثل‭ -‬منذ‭ ‬دخوله‭ ‬الإسلام‭ ‬حتى‭ ‬توليه‭ ‬الخلافة‭- ‬دور‭ ‬الشدة‭ ‬والقوة‭ .. ‬بجانب‭ ‬الرسول‭ ‬وبجانب‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭.. ‬حتى‭ ‬آلَ‭ ‬إليه‭ ‬الأمر‭ ‬انقلبت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬رخاء‭ ‬ويسر‭ ‬ورحمة‭ ... ‬

‭  ‬

‭         ‬سبحان‭ ‬الله‭ ... ‬سبحان‭ ‬الواحد‭ ‬الأحد‭ .. ‬سبحان‭ ‬الفرد‭ ‬الصمد‭ ... ‬سبحاااااانك‭ ‬يا‭ ‬الله‭ ... ‬هل‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬يتمنى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وهبته‭ ‬القوة‭ .. ‬انعمت‭ ‬عليه‭ ‬بالشدة‭ ... ‬نعتّه‭ ‬ووصفته‭ ‬بالفخر‭ ‬والعزة‭ ... ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لينا‭ ‬رحيما‭ ‬رؤوفا‭ ‬؟؟؟؟؟‭ .... ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ !!!!! .... ‬إنه‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ .. ‬إنه‭ ‬‮«‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬‭... ‬

‭  ‬

‭         ‬بدأت‭ ‬خلافته‭ ... ‬وبدأت‭ ‬أعماله‭.. ‬وكما‭ ‬قلنا‭ ‬حان‭ ‬وقت‭ ‬المسئولية‭ ‬والشقاء‭ ... ‬فكان‭ ‬أول‭ ‬قرار‭ ‬اتخذه‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬في‭ ‬دولته‭ ‬‭... ‬‮«‬رد‭ ‬سبايا‭ ‬أهل‭ ‬الردة‭ ‬إلى‭ ‬عشائرهم‭ ‬‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬‮«‬كرهت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬السَبي‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬العرب‮»‬‭...  ‬

 

‭        ‬وهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الجريئة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬شعور‭ ‬العرب‭ ‬جميعاً‭ ‬أنهم‭ ‬أمام‭ ‬شريعة‭ ‬الله‭ ‬سواء‭.... ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬فضل‭ ‬لقبيلة‭ ‬على‭ ‬قبيلة‭ ‬ولا‭ ‬فضل‭ ‬لجماعة‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬ولا‭ ‬فضل‭ ‬لبشر‭ ‬على‭ ‬آخر‭ .. ‬إلا‭ ‬بحُسن‭ ‬العطاء‭ ‬وما‭ ‬يقدمه‭ ‬من‭  ‬أعمال‭ ‬وتحمل‭ ‬الأعباء‭ ‬لخدمة‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ... ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ..‬‭ ‬

 

‭         ‬وتلت‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬خطوة‭ ‬أخرى‭... ‬‮«‬هي‭ ‬السماح‭ ‬لمن‭ ‬ظهرت‭ ‬توبتهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الردة‭ ‬بالاشتراك‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬ضد‭ ‬أعداء‭ ‬الإسلام‮»‬‭ ..... ‬وقد‭ ‬أثبتوا‭ ‬شجاعة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وصبراً‭ ‬عند‭ ‬اللقاء‭.... ‬ووفاءً‭ ‬للدولة‭ ‬لا‭ ‬يعْدِله‭ ‬وفاء‭....‬

‭          ‬من‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ .... ‬من‭ ‬يعطي‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ... ‬من‭ ‬لديه‭ ‬حسن‭ ‬الظن‭ ... ‬لا‭ ‬تمِلوا‭ ‬مني‭... ‬ولا‭ ‬تغضبوا‭ ‬عندما‭ ‬أكرر‭ ‬وأقول‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬‮»‬‭ ... ‬هي‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬الشك‭ ... ‬هي‭ ‬حجج‭ ‬كالبرهان‭ ‬الساطع‭ ‬والدليل‭ ‬القاطع‭ ... ‬على‭ ‬أنه‭ ‬الملهم‭ ‬بالقران‭ ... ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬‮«‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬‭ ‬

 

‭            ‬كذلك‭ ‬تعهد‭ ‬الخليفة‭ ‬بأداء‭ ‬الحقوق‭ ‬المالية‭ ‬للرعية‭ ‬كاملة‭ ... ‬من‭ ‬خراج‭ ‬وفيء‭.... ‬فلا‭ ‬يحتاج‭ ‬منه‭ ‬شيئاً‭ ‬ولا‭ ‬يضعه‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محله‭...‬‭. ‬بل‭ ‬سيزيد‭ ‬عطاياهم‭ ...‬وأرزاقهم‭ ‬باستمرار‭ ‬الجهاد‭ ‬والغزو‭ ‬والحض‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ...‬وضبط‭ ‬الأداء‭ ‬المالي‭ ‬للدولة‭... ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬بتطوير‭ ‬المؤسسة‭ ‬المالية‭.... ‬وضبط‭ ‬مصادر‭ ‬بيت‭ ‬المال‭ ‬وأوجه‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬الدولة‭.‬

 

‭          ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬يطالب‭ ‬الرعية‭ ‬بأداء‭ ‬واجبها‭ ‬من‭ ‬النصح‭ ‬لخليفتها‭ ‬والسمع‭ ‬والطاعة‭ ‬له‭ ‬والأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ .... ‬مما‭ ‬يشيع‭ ‬الرقابة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.... ‬ونبه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعين‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بتقوى‭ ‬الله‭ ‬ومحاسبة‭ ‬النفس‭ ‬واستشعار‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭....‬‭  ‬

 

‭         ‬فعمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يطلب‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬النصح‭ ... ‬لم‭ ‬يرجوهم‭ ‬إلا‭ ‬بالأمر‭ ‬بالمعروف‭ ... ‬لم‭ ‬يأمرهم‭ ‬إلا‭ ‬بالرقابة‭ ‬قي‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال‭ ... ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الواجبات‭ .... ‬وحقوقهم‭ ‬محفوظة‭ ... ‬واجبة‭ ‬النفاذ‭ ‬لأنها‭ ‬عند‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخاف‭ ‬في‭ ‬الله‭ ‬لومة‭ ‬لائم‭ ... ‬لأنها‭ ‬عند‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ !!!! ... ‬

 

‭        ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬تلميذا‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ... ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬خريجا‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬النبوة‭ .. ‬تعلم‭ ‬الدرس‭ .. ‬وفهم‭ ‬واستوعب‭ ‬المحاضرة‭ ... ‬فكان‭ ‬الدرس‭ ‬وكانت‭ ‬المحاضرة‭ ‬عنوانها‭ ‬‮«‬المشاورة‮»‬‭ .... ‬

 

فلقد‭ ‬اعتاد‭ ‬الرسول‭ ‬‮«‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬المشورة‭ ‬والرأي‭ .. ‬وأن‭ ‬يستمع‭ ‬لجميع‭ ‬الناس‭ .. ‬ويأخذ‭ ‬بالاصلح‭ .. ‬من‭ ‬باب‭ ‬‮«‬وَشَاوِرْهُمْ‭ ‬فِي‭ ‬الأمْرِ‮»‬‭ ... ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الشورى‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ .. ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬

قادة‭ ‬الدولة‭ ‬وحكامها‭ ‬حتمية‭ ‬تشاور‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ ‬والنزول‭ ‬على‭ ‬رضاهم‭ ‬ورأيهم،‭ ‬وإمضاء‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬بالشورى

وقال‭ ‬تعالى‭:‬‮«‬وَالَّذِينَ‭ ‬اسْتَجَابُوا‭ ‬لِرَبِّهِمْ‭ ‬وَأَقَامُوا‭ ‬الصَّلاَةَ‭ ‬وَأَمْرُهُمْ‭ ‬شُورَى‭ ‬بَيْنَهُمْ‭ ‬وَمِمَّا‭ ‬رَزَقْنَاهُمْ‭ ‬يُنْفِقُونَ‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الشورى‭ ‬

 

‭             ‬لقد‭ ‬ساوت‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬الشورى‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وبين‭ ‬إقامة‭ ‬الصلاة‭.... ‬فدل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حكم‭ ‬الشورى‭ ‬كحكم‭ ‬الصلاة‭... ‬وحكم‭ ‬الصلاة‭ ‬واجبة‭ ‬شرعاً‭.....‬فكذلك‭ ‬الشورى‭ ‬واجبة‭ ‬شرعاً‭.... ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬خطورة‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ .. ‬وأنه‭ ‬يتعادل‭ ‬مع‭ ‬أهم‭ ‬فروض‭ ‬الإسلام‭ ‬بعد‭ ‬الشهادتين‭ .. ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬كذلك‭ ‬أمر‭ ‬واجب‭ .. ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يكون‭ ‬شرط‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬الحكم‭ ... ‬

‭     ‬

‭              ‬وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬مبدأ‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬دولته‭.... ‬فكان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يستأثر‭ ‬بالأمر‭ ‬دون‭ ‬المسلمين‭ ....‬ولا‭ ‬يستبد‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬الشؤون‭ ‬العامة‭.... ‬فإذا‭ ‬نزل‭ ‬به‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يبرمه‭ ‬حتى‭ ‬يجمع‭ ‬المسلمين‭ ‬ويناقش‭ ‬الرأي‭ ‬معهم‭ ‬فيه‭ ‬ويستشيرهم‭.‬

 

‭       ‬ومن‭ ‬مأثور‭ ‬قوله«رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭: ‬

‭              ‬‮«‬لا‭ ‬خير‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬أبرم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬شورى‮»‬‭... ‬

‭              ‬‮«‬‭ ‬الرأي‭ ‬الفرد‭ ‬كالخيط‭ ‬السحيل‭ ‬والرأيان‭ ‬كالخيطين‭ ‬المبرمين،‭ ‬والثلاثة‭ ‬مرار‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬ينتقض‮»‬‭ : ‬أي‭ ‬ينقطع‭ ... ‬

‭              ‬‮«‬شاور‭ ‬في‭ ‬أمرك‭ ‬من‭ ‬يخاف‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‮»‬‭... ‬

‭              ‬‮«‬الرجال‭ ‬ثلاثة‭: ‬رجل‭ ‬ترد‭ ‬عليه‭ ‬الأمور‭ ‬فيسددها‭ ‬برأيه‭... ‬ورجل‭ ‬يشاور‭ ‬فيما‭ ‬أُشكل‭ ‬عليه‭ ‬وينزل‭ ‬حيث‭ ‬يأمره‭ ‬أهل‭ ‬الرأي‭.... ‬ورجل‭ ‬حائر‭ ‬بائر‭ ‬لا‭ ‬يأتمر‭ ‬رشداً‭ ‬ولا‭ ‬يقطع‭ ‬مرشداً‮»‬‭... ‬

‭     ‬

‭             ‬فكان‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬يأخذ‭ ‬بمبدأ‭ ‬‮«‬التدرج‭ ‬في‭ ‬الشورى‮»‬‭ ... ‬و‭ ‬يا‭ ‬ليت‭ ‬الحكام‭ ‬والقادة‭ ‬يتعلموا‭ ‬منك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ !!!! ... ‬يا‭ ‬ليت‭ ‬ولاة‭ ‬الأمر‭ ‬يعرفوا‭ ‬ماذا‭ ‬كنت‭ ‬تفعل‭ ‬يا‭ ‬خليفة‭ ‬خليفة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬؟؟؟؟‭!!!!  ... ‬

 

‭            ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬يستشير‭ ‬العامة‭ ‬أول‭ ‬أمره‭ ‬فيسمع‭ ‬منهم‭... ‬ثم‭ ‬يجمع‭ ‬مشايخ‭ ‬أصحاب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ...‬وأصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬منهم‭ ‬ثم‭ ‬يفضي‭ ‬إليهم‭ ‬بالأمر‭ ...‬ويسألهم‭ ‬أن‭ ‬يخلصوا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬رأي‭ ‬محمود‭.... ‬فما‭ ‬استقر‭ ‬عليه‭ ‬رأيهم‭ ‬أمضاه‭...  ‬

 

‭            ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ .. ‬إنهم‭ ‬يسهرون‭ ‬الأيام‭ .. ‬وتتعدد‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬نظام‭ ‬للشورى‭ .. ‬ها‭ ‬هو‭ ‬النظام‭ ‬الحق‭ ... ‬ها‭ ‬هو‭ ‬الدستور‭ ‬العادل‭ ... ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭...  ‬لا‭ ‬واسطة‭ .. ‬ولا‭ ‬محسوبية‭ ... ‬ويا‭ ‬ليتنا‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام‭ .. ‬يكون‭ ‬شكلا‭ ‬وموضوعا‭ .. ‬نلتزم‭ ‬به‭ ‬مظهرا‭ ‬وجوهرا‭ ... ‬

 

‭            ‬والفرق‭ ‬بين‭ ‬عمل‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬وعمل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ... ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬اجتهاداً‭ ‬منه‭ ....‬أنه‭ ‬هكذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أو‭ ‬نتجاهل‭ ‬أنه‭ ‬وضع‭ ‬اللبنة‭ ‬والأساس‭ ‬للنظام‭ ‬الشورى‭ ... ‬أنه‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ ‬الصحيحة‭ ‬السليمة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬نراه‭ .. ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الشورى‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬عصب‭ ‬الدولة‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭ ... ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬حينئذ‭ ‬بعد‭ ‬نظام‭ ‬متبع‭ ‬أو‭ ‬قوانين‭ ‬مسنونة‭... ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬حجر‭ ‬أساس‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬والتشريع‭ ... ‬

 

‭           ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬يجتهد‭ ‬في‭ ‬الشيء‭... ‬ويُبدي‭ ‬رأيه‭ ‬فيه‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬أضعف‭ ‬الناس‭... ‬فيبين‭ ‬له‭ ‬وجه‭ ‬الصواب‭ ‬وقوة‭ ‬الدليل‭ ‬فيقبله‭ ‬فورا‭ . ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خطأ‭ ‬ولكنه‭ ‬أكثر‭ ‬حجة‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ...  ‬فيرجع‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬إنه‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬التصحيح‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬صواب‭ ‬ما‭ ‬استبان‭ ‬له‭ ..... ‬

 

‭           ‬وقد‭ ‬توسع‭ ‬نطاق‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬خلافة‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ...‬لكثرة‭ ‬المستجدات‭ ..‬والأحداث‭ ..‬وامتداد‭ ‬رقعة‭ ‬الإسلام‭.. ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬ذات‭ ‬حضارات‭ ..‬وتقاليد‭ ..‬ونظم‭ ‬متباينة‭.... ‬

 

‭           ‬فولدت‭ ‬مشكلات‭ ‬جديدة‭ ‬احتاجت‭ ‬إلى‭ ‬الاجتهاد‭ ‬الواسع‭.... ‬مثل‭ ‬معاملة‭ ‬الأرض‭ ‬المفتوحة‭ ‬وتنظيم‭ ‬العطاء‭... ‬وفق‭ ‬قواعد‭ ‬جديدة‭ ‬لتدفع‭ ‬أموال‭ ‬الفتوح‭ ‬على‭ ‬الدولة‭....‬

 

‭           ‬فكان‭ ‬عمر‭ ‬يجمع‭ ‬للشورى‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬الكبار‭... ‬وكان‭ ‬لأشياخ‭ ‬بدر‭ ‬لهم‭ ‬مكانتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الشورى‭ ‬لفضلهم‭ ‬وعلمهم‭ ‬وسابقتهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬أخذ‭ ‬يشوبهم‭ ‬بشباب‭.... ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬يخلط‭ ‬الشباب‭ ‬مع‭ ‬الشيوخ‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬لإثراء‭ ‬الشباب‭ ‬بخبرتهم‭ .. ‬

 

‭           ‬وكأنه‭ ‬يرسم‭ ‬للشباب‭ ‬مستقبلا‭ ‬غنيا‭ ‬بالخبرات‭ .. ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يعايشوها‭ ‬بأنفسهم‭ ‬بعد‭ .. ‬ولكنها‭ ‬خبرات‭ ‬متراكمة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الخبرة‭ ... ‬عليهم‭ ‬يحصلوا‭ ‬عليها‭ ‬كأرضية‭ ‬تعينهم‭ ‬في‭ ‬مستقبلهم‭ ‬هذا‭  ..... ‬لأنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬تجديد‭ ‬رجالاتها‭ ..... ‬حيث‭ ‬فطن‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭.... ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬الأمة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬منهم‭ ‬علماً‭ ‬وورعاً‭ ‬وتقى‭.... ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬عليه‭ ‬ألا‭ ‬يغفل‭ ‬شيوخ‭ ‬وعمالقة‭ ‬الخبرة‭ ‬الذين‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعفو‭ ‬عليها‭ ‬الزمان‭.... ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬ورصيد‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الاهمية‭ ‬والخطورة‭ ‬حين‭ ‬تأسيس‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الاجيال‭ ‬الجديدة‭ ..‬‭.. ‬لانه‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬بلا‭ ‬ماضي‭ ‬أو‭ ‬حاضر‭ ... ‬

 

‭        ‬فكان‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عباس‭ ‬من‭ ‬أولهم‭.... ‬وما‭ ‬زال‭ ‬عمر‭ ‬يجتهد‭ ‬متخيراً‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬الأمة‭ ‬مستشارين‭ ‬له‭ ‬متخذاً‭ ‬القرآن‭ ‬فيصلاً‭ ‬في‭ ‬التخير‭...‬‭. ‬حتى‭ ‬قال‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عباس‭: ‬‮«‬وكان‭ ‬القراء‭ ‬أصحاب‭ ‬مجلس‭ ‬عمر‭ ‬ومشاورته‭ ‬كهولاً‭ ‬كانوا‭ ‬أو‭ ‬شباناً‮»‬‭ ....  ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬الزهري‭ ‬لغلمان‭ ‬أحداث‭: ‬لا‭ ‬تحتقروا‭ ‬أنفسكم‭ ‬لحداثة‭ ‬أسنانكم‭ ‬فإن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬كان‭ ‬إذا‭ ‬نزل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬المعضل‭ ‬دعا‭ ‬الفتيان‭ ‬فاستشارهم‭ ‬يبتغي‭ ‬حدة‭ ‬عقولهم‮»‬‭ ‬

 

‭         ‬أين‭ ‬ولاة‭ ‬الأمور‭ ‬؟؟‭!!!! .... ‬أين‭ ‬الحكام‭ ‬؟؟؟‭!!! ... ‬أين‭ ‬القادة‭ ‬؟؟؟‭!!! ... ‬أين‭ ‬الرؤوساء‭ ‬؟؟؟‭!!!! ... ‬يتعلموا‭ ‬من‭ ‬منهجك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ... ‬يتتلمذوا‭ ‬على‭ ‬يدك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ ... ‬وأنت‭ ‬تسمع‭ ‬للشباب‭ ... ‬وأنت‭ ‬تنتبه‭ ‬لقادة‭ ‬المستقبل‭ .. ‬وأنت‭ ‬تأخذ‭ ‬برأي‭ ‬حداثة‭ ‬السن‭ ... ‬وأنت‭ ‬تستشير‭ ‬الفتيان‭ ‬الصغار‭ ... ‬ااااااااه‭ ‬وألف‭ ‬ااااااااااه‭ !!!! .. ‬من‭ ‬مثلك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ !!!!! ... ‬

 

‭        ‬ولقد‭ ‬استشار‭ ‬مرة‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬حفصة‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها»بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬كان‭  ‬لعمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬علية‭ ‬الصحابة‭ ‬وذوي‭ ‬الرأي‭..‬‭.. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬رأي‭ ‬حفصة‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‮»‬‭ ‬كان‭ ‬عند‭ ‬الفاروق‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭ .... ‬

 

هذا‭ ‬هو‭ ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستمع‭ ‬لآراء‭ ‬النساء‭ ..... ‬لم‭ ‬يسفه‭ ‬من‭ ‬آرائهن‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬حكام‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ .... ‬نرى‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬المرأة‭ ‬وهي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬موضع‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬السياسة‭ !!!! ... ‬إلا‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬ربي‭ ‬طبعا‭ .... !!!!!‬

 

هذه‭ ‬هي‭ ‬مكانة‭ ‬الشورى‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ ... ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬رأي‭ ‬العامة‭ ‬فقط‭ .. ‬ولا‭ ‬رأي‭ ‬الشيوخ‭ ‬فقط‭ .. ‬ولا‭ ‬رأي‭ ‬أصحابه‭ ‬فقط‭ ... ‬ولم‭ ‬يهمل‭ ‬رأي‭ ‬الشباب‭ ... ‬ولا‭ ‬رأي‭ ‬النساء‭ ... ‬بل‭ ‬أخذ‭ ‬برأي‭ ‬الجميع‭ .. ‬نعم‭ ‬الجميع‭ !!!! ..... ‬

 

هذا‭ ‬هو‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬الازدهار‭ ‬والرخاء‭ ‬والنجاح‭ ... ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخليفة‭ ‬الذي‭ ‬يرفع‭ ‬شعار‭ ‬حي‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬حي‭ ‬على‭ ‬الفلاح‭ ... ‬

 

لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬عمر‭ ‬بأخذ‭ ‬الشورى‭ ‬فحسب‭.... ‬بل‭ ‬أنه‭ ‬راعى‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬طيلة‭ ‬حكمه‭ ... ‬

 

وحيث‭ ‬كانت‭ ‬الشوري‭ ‬عند‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ .. ‬أهم‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ .. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬فحوها‭ ‬هكذا‭ ‬تعني‭ ‬قيمة‭ ‬العدل‭ .. ‬وترسخه‭ ... ‬لأنه‭ ‬حين‭ ‬يأخذ‭ ‬آراء‭ ‬الجميع‭ ... ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ .. ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭  .. ‬فلا‭ ‬ترجيح‭ ‬لكافة‭ ‬على‭ ‬أخرى

‭    ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬عَلِم‭ ‬بل‭ ‬وأيقن‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬الحكم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬النظام‭ ‬الإسلامي‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬مجتمع‭ ‬مسلم‭ ‬حقيقي‭ .. ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ينتشر‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬البشر‭ ... ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬عربي‭ ‬وأعجمي‭ ‬إلا‭ ‬بالتقوى‭ .. ‬فكان‭ ‬اساسه‭ ‬الإقتناع‭ ‬بالرأي‭ ‬الأخر‭ .. ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عصب‭ ‬ذلك‭ ‬العدل‭ .... ‬

 

‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬عدالة‭ ‬ومساواة‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬خطابه‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬يوم‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬الخلافة‭ ....... ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬العدل‭ ‬هكذا‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬أجلى‭ ‬صوره‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬الفاروق‭ .. ‬وقد‭ ‬استقاه‭ ‬من‭ ‬عدل‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬حين‭ ‬اعتنقه‭ ‬أخذه‭ ‬قولا‭ ‬وعملا‭ .. ‬نصا‭ ‬وفعلا‭ ... ‬إيمانا‭ ‬روحيا‭ ‬وطاعة‭ ‬فعلية‭ ‬ليكون‭ ‬بذلك‭ ‬العدل‭ ‬أو‭ ‬ليقر‭ ‬ويسن‭ ‬ويؤسس‭ ‬الركن‭ ‬الركين‭ ‬والحصن‭ ‬الحصين‭ ‬ليكون‭ ‬العصب‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬والحكم‭ ‬الإسلامي‭ .‬‭...  ‬فلا‭ ‬وجود‭ ‬للإسلام‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يسوده‭ ‬الظلم‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬العدل‭... ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ !!!! .. ‬حيث‭ ‬لخصه‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ .. ‬تحوي‭ ‬كل‭ ‬المعاني‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تندرج‭ ‬تحتها‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ... ‬

 

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬أفراداً‭  ‬أو‭ ‬جماعات‭ ‬أو‭ ‬دولاً‭ ... ‬ليست‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الاختيارية‭ ‬التي‭ ‬تترك‭ ‬لهوى‭ ‬أمير‭ ‬أو‭ ‬لرأي‭ ‬متفرد‭ ‬لحاكم‭ ...  ‬بل‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أقدس‭ ‬الواجبات‭ ‬وأنبل‭ ‬المهام‭ ‬وأعظمها‭ ... ‬

 

فلا‭ ‬شك‭ ‬ولا‭ ‬غرو‭ ‬أن‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬و‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسود‭ ‬فيه‭ ‬قيم‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬ورفع‭ ‬الظلم‭ ‬ومحاربته‭ ‬بكافة‭ ‬أشكاله‭ ‬وأنواعه‭....‬

 

‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الفاروق‭ ‬في‭ ‬دولته‭ ... ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صورة‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ‭ .. ‬وأجل‭ ‬صورة‭ ‬سجلتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬بأسرها‭ ...  ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يعدل‭ ‬بين‭ ‬المتخاصمين‭ ‬ويحكم‭ ‬بالحق‭ ‬ولا‭ ‬يهمه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الأقرباء‭.. ‬أو‭ ‬الأعداء‭.. ‬أو‭ ‬الأغنياء‭.. ‬أو‭ ‬الفقراء‭ ....  ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬‭ ‬يَاأَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬كُونُوا‭ ‬قَوَّامِينَ‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬شُهَدَاءَ‭ ‬بِالْقِسْطِ‭ ‬وَلاَ‭ ‬يَجْرِمَنَّكُمْ‭ ‬شَنَآنُ‭ ‬قَوْمٍ‭ ‬عَلَى‭ ‬أَلاَ‭ ‬تَعْدِلُوا‭ ‬اعْدِلُوا‭ ‬هُوَ‭ ‬أَقْرَبُ‭ ‬لِلتَّقْوَى‭ ‬وَاتَّقُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬خَبِيرٌ‭ ‬بِمَا‭ ‬تَعْمَلُونَ‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬المائدة

 

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬له‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ .. ‬القريب‭ ‬والبعيد‭ ..‬‭ ‬العدو‭ ‬قبل‭ ‬الصديق‭ .... ‬يشهد‭ ‬بما‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحققه‭ ‬من‭ ‬عدالة‭ ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬أبهر‭ ‬صورها‭ ‬حيرت‭ ‬معها‭ ‬العقول‭ ‬واضطربت‭ ‬لها‭ ‬النفوس‭ ......  ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينكرها‭ ‬إلا‭ ‬جاحد‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬جاهل‭ : ‬

 

أولا‭ : ‬مدة‭ ‬الخلافة‭ : ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أحدى‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬خلافته‭ ‬كانت‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬مدة‭ ‬خلافة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬بحيث‭ ‬تجاوزت‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اقتصرت‭ ‬خلافة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬على‭ ‬سنتين‭ ‬وعدة‭ ‬شهور‭ ‬فقط‭.... ‬

 

ثانيا‭ : ‬شدة‭ ‬تمسكه‭ ‬بالحق‭ : ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬التمسك‭ ‬بالحق‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وأهله‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أشد‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الناس‭... ‬

 

ثالثا‭ : ‬قربه‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ .. ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬؟؟؟‭!!!!... ‬وهو‭ ‬الملهم‭ ‬بالوحي‭ .. ‬وهو‭ ‬الحالم‭ ‬بالقران‭ ... ‬وهو‭ ‬المتقين‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬بفضل‭ ‬المولى‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ .. ‬

 

وهل‭ ‬هناك‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬نذكره‭ ‬؟؟؟‭!!! ... ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬أجل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬نضربه؟؟؟‭!!!! .... ‬وهل‭ ‬هناك‭  ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬نقصها‭ ‬عليكم‭ ‬في‭ ‬إقامته‭ ‬للعدل‭ ‬والقسط‭ ‬بين‭ ‬الناس؟؟؟‭!!!! ... ‬

 

‭        ‬فقد‭ ‬حكم‭ ‬بالحق‭ ‬لرجل‭ ‬يهودي‭ ‬على‭ ‬مسلم‭..... ‬ولم‭ ‬يحمله‭ ‬كفر‭ ‬اليهودي‭ ‬على‭ ‬ظلمه‭ ‬والحيف‭ ‬عليه‭.... ‬وهذا‭ ‬ما‭  ‬أخرجه‭ ‬الإمام‭ ‬مالك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬المسيب‭....  ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬اختصم‭ ‬إليه‭ ‬مسلم‭ ‬ويهودي‭ ..... ‬

 

‭         ‬فرأى‭ ‬عمر‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬لليهودي‭ ‬فقضى‭ ‬له‭.....  ‬فقال‭ ‬له‭ ‬اليهودي‭: ‬والله‭ ‬لقد‭ ‬قضيت‭ ‬بالحق‭....  ‬وكان‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭  ‬يأمر‭ ‬عماله‭ ‬أن‭ ‬يوافوه‭ ‬بالمواسم‭ .....  ‬فإذا‭ ‬اجتمعوا‭ ‬قال‭: ‬أيها‭ ‬الناس‭ ‬إني‭ ‬لم‭ ‬أبعث‭ ‬عمالي‭ ‬عليكم‭ ‬ليصيبوا‭ ‬من‭ ‬أبشاركم‭.....  ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أموالكم‭...  ‬إنما‭ ‬بعثتهم‭ ‬ليحجزوا‭ ‬بينكم‭.... ‬وليقسموا‭ ‬فيئكم‭ ‬بينكم‭.... ‬فمن‭ ‬فعل‭ ‬به‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬فليقم‭....  ‬فما‭ ‬قام‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭ ‬قام‭ ‬فقال‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬إن‭ ‬عاملك‭ ‬ضربني‭ ‬مائة‭ ‬سوط‭ ..... ‬قال‭: ‬فيم‭ ‬ضربته؟‭ ‬قم‭ ‬فاقتص‭ ‬منه‭ .... ‬

 

‭       ‬فقام‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬فقال‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬إنك‭ ‬إن‭ ‬فعلت‭ ‬هذا‭ ‬يكثر‭ ‬عليك‭ ‬ويكون‭ ‬سنة‭ ‬يأخذ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬بعدك‭.....  ‬فقال‭: ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أقيد‭...‬‭..  ‬وقد‭ ‬رأيت‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬يقيد‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬قال‭: ‬فدعنا‭ ‬فلنرضه،‭.... ‬قال‭: ‬دونكم‭ ‬فارضوه‭ .... ‬فاقتدى‭ ‬منه‭ ‬بمائتي‭ ‬دينار‭ ‬كل‭ ‬سوط‭ ‬بدينارين‭....  ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يرضوه‭ ‬لأقاده«رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭...‬

 

وكأن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬بماهية‭ ‬اليهود‭ ‬أنهم‭ ‬لن‭ ‬يكونوا‭ ‬أهلا‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬معاملة‭ ‬بالمثل‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ .. ‬ولم‭ ‬يعارض‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬استجاب‭ ‬فورا‭ ‬ولم‭ ‬يتجاهل‭ ‬رأي‭ ‬مستشاره‭ .. ‬احتراما‭ ‬لمنهج‭ ‬المشورى‭ ‬عنده‭ ... ‬والتي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬الوالي‭ ‬أو‭ ‬الحاكم‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬موضوعية‭ ‬بحسابات‭ ‬البشر‭ ‬ملموسة‭ .. ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قد‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬أهل‭ ‬الشورى‭ ‬هكذا‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬الحاكم‭ ‬نفسه‭ ... ‬

 

والحكيم‭ ‬والجميل‭ ‬في‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ .. ‬أنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬خطاها‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يضع‭ ‬لنا‭ ‬منهجا‭ .. ‬وبالضرورة‭ ‬علينا‭ ‬الإلتزام‭ ‬به‭ ... ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أننا‭ ‬مسلمين‭ ‬من‭ ‬اتباع‭ ‬الرسول‭ ‬وصحابته‭ .. ‬

 

‭         ‬هكذا‭  ‬قامت‭ ‬دولة‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬العدل‭...  ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬ينصر‭ ‬الدولة‭ ‬العادلة‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬كافرة‭ ‬ولا‭ ‬ينصر‭ ‬الدولة‭ ‬الظالمة‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬مسلمة‭ ... ‬بالعدل‭ ‬تستصلح‭ ‬الرجال‭ ‬وتستغزر‭ ‬الأموال‮»‬‭ .... ‬

 

‭           ‬وأما‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬الذي‭ ‬اعتمده‭ ‬الفاروق‭ ‬في‭ ‬دولته،‭ ‬فيعد‭ ‬أحد‭ ‬المبادئ‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬أقرها‭ ‬الإسلام‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭:( ‬يَاأَيُّهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬إِنَّا‭ ‬خَلَقْنَاكُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذَكَرٍ‭ ‬وَأُنثَى‭ ‬وَجَعَلْنَاكُمْ‭ ‬شُعُوبًا‭ ‬وَقَبَائِلَ‭ ‬لِتَعَارَفُوا‭ ‬إِنَّ‭ ‬أَكْرَمَكُمْ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬أَتْقَاكُمْ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عَلِيمٌ‭ ‬خَبِيرٌ‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الحجرات

 

‭           ‬إن‭ ‬الناس‭ ‬جميعاً‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الإسلام‭ ‬سواسية‭.... ‬الحاكم‭ ‬والمحكوم‭.... ‬الرجال‭ ‬والنساء‭.... ‬العرب‭ ‬والعجم‭.... ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ....‬‭ ‬لقد‭ ‬ألغى‭ ‬الإسلام‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬بسبب‭ ‬الجنس‭ ‬واللون‭ ‬أو‭ ‬النسب‭ ‬أو‭ ‬الطبقة‭.....  ‬والحكام‭ ‬والمحكومون‭ ‬كلهم‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الشرع‭ ‬سواء‭ .... ‬

 

‭          ‬وخير‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ممارسات‭ ‬الفاروق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬تأويل‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬الزيف‭ ‬أو‭ ‬التحريف‭ ... ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬مواقف‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬مواقفه‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ .. ‬فعدله‭ ‬فاق‭ ‬الجبال‭ ‬والحق‭ ‬عنده‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬عنان‭ ‬السماء‭ .....‬

 

‭         ‬فحين‭ ‬أصاب‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬سنة‭ (‬جدب‭) ‬بالمدينة‭ ‬وما‭ ‬حولها‭.... ‬فكانت‭ ‬تسقي‭ ‬إذا‭ ‬ريحت‭ ‬تراباً‭ ‬كالرماد‭ ....  ‬فسمي‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬‮«‬عام‭ ‬الرمادة‮»‬‭ .... ‬فآلى‭ ‬أي‭ : (‬حلف‭) ‬عمر‭ ‬ألا‭ ‬يذوق‭ ‬سمناً‭ ‬ولا‭ ‬لبناً‭ ‬ولا‭ ‬لحماً‭ ‬حتى‭ ‬يحي‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬الحياء‭ .....  ‬فقدمت‭ ‬السوق‭ ‬عُكَّة‭ ‬من‭ ‬سمن‭ .. ‬ووطب‭ ‬من‭ ‬لبن‭... ‬

 

فاشتراهما‭ ‬غلام‭ ‬لعمر‭ ‬بأربعين‭ ..... ‬ثم‭ ‬أتى‭ ‬عمر‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭... ‬قد‭ ‬أبر‭ ‬الله‭ ‬يمينك‭... ‬وعظم‭ ‬أجرك‭...‬قدم‭ ‬السوق‭ ‬وطب‭ ‬من‭ ‬لبن‭ ..‬‭.. ‬وعكة‭ ‬من‭ ‬سمن‭ ...  ‬فاتبعناهما‭ ‬بأربعين‭ .... ‬

 

‭          ‬فقال‭ ‬عمر‭: ‬‮«‬أغليت‭ ‬بهما‭.... ‬فتصدق‭ ‬بهما‭....‬فإني‭ ‬أكره‭ ‬أن‭ ‬آكل‭ ‬إسرافاً‭ ... ‬وقال‭ ‬عمر‭: ‬كيف‭ ‬يعنيني‭ ‬شأن‭ ‬الرعية‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يمسني‭ ‬ما‭ ‬مسهم‭ ‬؟؟؟‭!!!! ...  ‬

‭   ‬

‭           ‬فكان‭ ‬عمر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتيسر‭ ‬لجميع‭ ‬المسلمين‭.... ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يصوم‭ ‬الدهر‭..... ‬فكان‭ ‬‮«‬زمن‭ ‬الرمادة‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬أمسى‭ ‬أتى‭ ‬بخبز‭ ‬قد‭ ‬ثُرد‭ ‬بالزيت‭.... ‬

 

كان‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يستحق‭ ‬لعمر‭ ‬وساما‭ ‬على‭ ‬صدره‭ .. ‬شرفا‭ ‬على‭ ‬جبينه‭ ‬حيا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬ميتا‭ .. ‬حين‭ ‬كان‭ ‬ينفذ‭ ‬طاعات‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ .. ‬فيكون‭ ‬حقا‭ ‬القدوة‭ ‬وأي‭ ‬قدوة‭  ... ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬قولا‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭  .. ‬وإن‭ ‬دل‭ ‬ذلك‭ ‬فإنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬به‭ ‬كنز‭ ‬عظيم‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ .. ‬كنز‭ ‬حقيقي‭ ‬بلا‭ ‬زيف‭ ‬أو‭ ‬رياء‭ ... ‬وإلا‭ ‬لما‭ ‬صبر‭ ‬وصابر‭ ‬على‭ ‬التليغ‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ .. ‬وإلا‭ ‬لما‭ ‬تحمل‭ ‬العناء‭ ‬والمشقة‭ ‬حتي‭ ‬يؤسس‭ ‬الدولة‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليها‭ ‬بأسس‭ ‬لا‭ ‬تهزها‭ ‬رياح‭ ‬مهما‭ ‬اشتدت‭ .. ‬ولا‭ ‬قلوب‭ ‬غلاظ‭ ‬مهما‭ ‬احتدت‭ .. ‬ولا‭ ‬صدور‭ ‬نفاق‭ ‬مهما‭ ‬امتدت‭ ... ‬

 

اعتقد‭ ‬واستغفر‭ ‬الله‭ ‬العلي‭ ‬العظيم‭ ‬والله‭ ‬أعلم‭ .. ‬أنه‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬أطول‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬عمرا‭ ‬حتى‭ ‬يؤسس‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تأسيسا‭ ‬سليما‭ ...‬‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يأخذ‭ ‬وقته‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬ذلك‭ ‬التأسيس‭ ... ‬

 

‭        ‬ومن‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬يسجلها‭ ‬التاريخ‭ ... ‬ولن‭ ‬أزيد‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬كلماتي‭ ‬عنه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تستمتعوا‭ ‬به‭ .. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أبكاني‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ... ‬الذي‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬وصول‭ ‬عمر‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬كمال‭ ‬العدل‭ ‬البشري‭.... ‬وصول‭ ‬عمر‭ ‬إلى‭ ‬منتهي‭ ‬المساواة‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬البشرية‭ ... ‬إلى‭ ‬منتهى‭ ‬وأسمي‭ ‬آيات‭ ‬الحق‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ .. ‬

 

‭          ‬حث‭ ‬يروي‭ ‬ابن‭ ‬الجوزي‭ ‬أن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭..... ‬أقام‭ ‬حد‭ ‬الخمر‭ ‬على‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‮»‬‭ .....  ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬عامله‭ ‬على‭ ‬مصر‭.‬‭.... ‬

 

‭          ‬ومن‭ ‬المألوف‭ ‬أن‭ ‬يقام‭ ‬الحد‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العامة‭ ‬للمدينة‭.... ‬لتتحقق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العبرة‭ ‬للجمهور‭..... ‬غير‭ ‬أن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬أقام‭ ‬الحد‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬الخليفة‭ ‬في‭ ‬البيت‭.....  ‬فلما‭ ‬بلغ‭ ‬الخبر‭ ‬عمر‭.... ‬

 

‭          ‬كتب‭ ‬إلى‭ ‬عمرو‭ ‬ابن‭ ‬العاص‭: ‬من‭ ‬عبد‭ ‬الله‭...  ‬عمر‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬إلى‭ ‬العاصي‭ ‬بن‭ ‬العاص‭: ‬عجبت‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬العاص‭ ‬ولجرأتك‭ ‬عليّ‭.... ‬وخلاف‭ ‬عهدي‭.‬

 

‭          ‬أما‭ ‬إني‭ ‬قد‭ ‬خالفت‭ ‬فيك‭ ‬أصحاب‭ ‬بدر‭ ‬ممن‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬منك‭..... ‬واخترتك‭ ‬لجدالك‭ ‬عني‭.... ‬وإنفاذ‭ ‬عهدي‭.....  ‬فأراك‭ ‬تلوثت‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬تلوثت‭..‬‭... ‬فما‭ ‬أراني‭ ‬إلا‭ ‬عازلك‭ ‬فمسيء‭ ‬عزلك‭..... ‬تضرب‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬في‭ ‬بيتك‭..... ‬وقد‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يخالفني؟؟؟؟‭!.... ‬

 

‭         ‬إنما‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬رعيتك‭..... ‬تصنع‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬تصنع‭ ‬بغيره‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭..... ‬ولكن‭ ‬قلت‭: ‬هو‭ ‬ولد‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬وقد‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬هوادة‭ ‬لأحد‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬يجب‭ ‬لله‭ ‬عليه‭.......  ‬فإذا‭ ‬جاءك‭ ‬كتابي‭ ‬هذا‭ ‬فابعث‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عباءة‭ ‬على‭ ‬قتب‭ ‬حتى‭ ‬يعرف‭ ‬سوء‭ ‬ما‭ ‬صنع‭ ..... ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬إحضاره‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬وضربه‭ ‬الحد‭ ‬جهراً‭ .....‬

 

لا‭ ‬يطاوعني‭ ‬قلمي‭ ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬جلد‭ ‬ابن‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ .. ‬وللأمانة‭ ‬لا‭ ‬يطاوعني‭ ‬قلبي‭ ‬أن‭ ‬اكتب‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬الفاروق‭ ‬العادل‭ ‬من‭ ‬ابنه‭ ... ‬‮«‬عبد‭ ‬الرحمن‮»‬‭ .... ‬لأنه‭ ‬فوق‭ ‬الوصف‭ ‬،‭... ‬فوق‭ ‬الطاقة‭ ..‬فوق‭ ‬الخيال‭ ..  ‬

 

كل‭ ‬ذلك‭ ‬العدل‭ ‬والإنصاف‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬؟؟؟‭!!!!!!!............. .... ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬منك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬؟؟؟‭!!!! ...      ‬

‭ ‬

أتعبتنا‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ .............. !!!!!! .... ‬أخجلتنا‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ........!!!!!!! .. ‬أضعفتنا‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ .........!!!!!!! ‬

 

أنا‭ ‬صريحة‭ ..... ‬نعم‭ ‬شعرت‭ ‬بضعفي‭ ‬وغيري‭ ‬أمامك‭ ... ‬أنا‭ ‬أمينة‭ ‬من‭ ‬منا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬أقدمت‭ ‬عليه‭ ... ‬أن‭ ‬يجلد‭ ‬ابنك‭ ‬مرتين‭ ... ‬وأمام‭ ‬الخلق‭ ... ‬

 

click here click here click here nawy nawy nawy