مصر... رواندا... والهجرة إلى الجنوب!!
نجحت رواندا في تحقيق طفرة غير متوقعة في معدلات التنمية الاقتصادية، لتتحول بين عشية وضحاها من دولة تعاني من المجاعة والحروب الأهلية التى راح ضحيتها نحو 800 ألف مواطن بين عامي 1993 و1996، إلى واحدة من أكثر دول العالم تطورًا حيث اُختيرت عاصمتها «كيجالي» كأنظف عواصم قارة أفريقيا عام 2017.
وجاءت هذه القفزة على يد الرئيس بول كاجامي، الذي قام بوضع خطة لإحداث طفرة اقتصادية للبلاد، عقب تولي مقاليد السلطة عام 2000، أدت إلى تغيير مصادر الدخل القومي لرواندا من دولة تعتمد على الزراعة بنسبة 95%، إلى دولة يعتمد اقتصادها على الأنشطة المختلفة بمعدل 51.5% خدمات خاصة الاتصالات والحاسب الآلي، و17.6% صناعة، و30.9% زراعة، لتصبح ثالث دولة جاذبة للاستثمار في أفريقيا بعد دولتي جنوب أفريقيا وموريشيوس.
نحن إذن أمام سنغافورة جديدة، تقع في الجزء الجنوبي من حوض النيل، فرواندا دولة صغيرة المساحة تعادل 5% من مساحة مصر قليلة السكان قوية التأثير في إقليم حوض النيل، وشرق ووسط أفريقيا.
ومن المؤكد أن هناك دعمًا تتلقاه من دول العالم المتقدم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وحليفتها الصين، والتي أصبح لها جالية قوية ومؤثرة هناك، وتتعاون معها في إنشاء أكبر كافيه نت في العالم، الأمر الذي يثير تساؤلاً حول الثمن الذي ستطلبه تلك الدول نظير دعمها لتلك النهضة السريعة والغريبة.
الأمر الذي يفرض ضرورة تغيير ثقافة المصريين تجاه الهجرة إلى الجنوب بدلاً من الهجرة إلى الدول العربية والاتحاد الأوروبي لأنها أصبحت دولا واعدة في الاستثمار، ومؤثرة في قرارات المتعلقة بالتعاون الإقليمي لدول حوض النيل.
وكانت رواندا أول من دعا إلى التوقيع على اتفاقية عنتيبي عام 2009، وإلى عدم الاعتراف بالاتفاقيات التاريخية لمياه النيل، ولديها جيش جاهز للتدخل في شؤون دول الجوار، وسبق وأن تدخلت في الصراعات الأهلية داخل الكونغو الديمقراطية.
ومن المؤسف أن الشعبين لا يعرف بعضهما بعضًا، حتى يحدث نوع من التداخل الاقتصادي والاجتماعي بينهما فلا يوجد حتى الآن تبادل إعلامي قوي بيننا وبينهم، بل لا زال الطرفان يستقون معلوماتهم عن بعض من خلال وكالات الأنباء العالمية والأجنبية، إذ تفتقر جميع وسائل الإعلام المصرية لوجود صحفي أو إعلامي رواندي مقيم على أرض مصر.
كما تفتقر جميع وسائل الإعلام الرواندية إلى وجود صحفي أو إعلامي مصري مقيم على أرضها، كي يطلع شعبه على آخر التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تدور على أرض الواقع في كل دولة.
الأمر الذي يتطلب وضع خطة مصرية للتواجد الشعبي هناك، تتناول كيفية التغلب على معوقات التواجد المصري هناك، وكيف نجحت باقي شعوب العالم في التعايش معهم والإقامة الدائمة هناك، حتى قبل أن تشهد تلك النهضة التاريخية، فالتركيز على السياحة سيسمح للمصريين بتفهم طبيعة تلك البلاد، لأن الدولة الرواندية تضم 3 من أشهر المتنزهات الوطنية في العالم، هي : منتزه أكاغيرا الوطني، ومنتزه غابات نيونغوي المطيرة، ومنتزه البراكين الوطني، الذي يعد من أهم منتزهات أفريقيا ووهو موطن الغوريلا الجبلية.
كما تتمتع رواندا بالكثير من المسطحات المائية لأنهار، وبحيرات من أشهرها أنهار "كاجيرا" و"أكانيارو" و"روزيزي"، وتضم 23 بحيرة طبيعية، وبالتركيز على السياحة والبرامج الإعلامية، والأفلام التسجيلية والروائية، يمكن أن نحدث طفرة في العلاقات بين البلدين، كمقدمة لإقامة شركات ومشروعات استثمارية هناك، وبدون ذلك لن تكون للقوى الناعمة المصرية أي تأثير على الأحداث الجارية في دولة ذات ثقل إستراتيجي بين دول منابع النيل، بل ومرشحة لأن تصبح واحدة من أهم 20 دولة في العالم.