من لا يملك لا يتزوج
لا يوجد فى الحياة أجمل ممن يعتز بنفسه وبما يملك ولا يتطلع إلى شيء مما فى أيدى الغير، فطالما لم تتعد عيناك ما فى يدك إلى ما فى يد غيرك، فأنت فى راحة نفسية وفى نعمة كبيرة، وفى سلام وفى سكينة يحسد عليها الكثيرون، ولكن فى قصة الزواج، قد لا يقنع البعض بما فى أيديهم، وقد يسعى البعض إلى استدراج بعض من الناس إلى ما فى يديه هو، لا ليأخذوه ويسعدوا به، ولكن ليكون الطماعون فى قبضة الإغراء طوال الوقت دون أن ينالوا شيئا.
ومن ناحية أخرى، لينام أصحاب المطمع قريرى العين مطمئنين إلى سيطرتهم على مجرى الأمور طوال الوقت، سواء فى الفرح وفى الحزن، وفى كافة الأحوال.
من أشهر وسائل الإغراء والاستدراج للغير فى قصة الزواج أن تعرض العروس الجميلة الحبوبة على خطيبها أو من تقدم إليها أن يسكن إليها فى شقة تملكها هى أو اشترتها هى أو آلت إليها عن أبيها أو عن أمها أو عن أحد من أقاربها، بدلا من البحث عن شقة للإيجار أو للشراء وإهدار المال والوقت والجهد فى عملية بحث طويلة مستفيضة.
وقد لا يقبل العريس أو الخطيب أو الحبيب الفكرة ولا يرحب بها لشعوره بعدم ارتياح فى صدره، ولا تقر نفسه هذا العرض ولا تألفه فينفر منه وينجو مما قد يكون وراءه من شرور، رغم ما قد يلاحقه من كلمات العتاب واللوم الخفيفة والثقيلة، وقد لا يرى الخطيب أو الحبيب غضاضة فى ذلك العرض المغرى ثقة فى من تقدم إليها أو فيمن أحبها ومال إليها قلبه أو لصلة القرابة التى تجمعهما - إذا وجدت قرابة بين الخطيبين أو طرفى قصة الزواج– ويميل إلى تغليب حسن الظن وحلو الأمل على سوء الفكر وقلقه الدفين.
وقد يرحب الخطيب أو الحبيب أو طالب الزواج بعرض العروس صاحبة الشقة المصونة والصيد الميمونة، ولا يصدق أذنيه كونه عثر لتوه على امرأة ومحل إقامة مجانى مباح للراغبين والطالبين، ويقبل فورا بالعيش فى ملك العروس، وربما منى نفسه بالمزيد من العطايا والمنح.
قد لا تمر سنوات عدة، وقد تمر شهور قليلة فقط قبل أن تدور الحياة دورتها ويشتعل خلاف بين الزوجين لهذا السبب أو لذاك، ثم ينقشع الغيوم وتشرق الشمس والدفء من جديد حتى وقت آخر، وقد لا ينقشع الغيوم، وتمطر سماء الزواج نكدا وعراكا واتهامات مبتادلة، وخاصة إذا ما تعلق سبب الخلاف بغيرة أو بأسباب عاطفية مما يعرفها الناس ويألفونها . فاذا فشل الطرفان فى السيطرة على أعصابهما وعلى ألفاظهما، وفشل الزوج – على وجه الخصوص– فى إخماد النيران الآخذة فى التأجج، فقد يجد نفسه مقذوفا إلى الطريق كوعاء فارغ لمنتج من المنتجات مصحوبا بكل ما لا يحب انسان أن يوجه إليه من ألفاظ ومن إهانات جارحة من صاحبة الشقة ومالكة العين الآمرة فيما تحوذ.
بكل بساطة وخلال دقائق معدوة لا أكثر، يكون الرجل على قارعة الطريق، أو ذليلا أمام الباب يرجو الحمل الوديع أن تتركه حتى الصبح ليغادر بنفسه، أو يضطر إلى الخروج إلى الشارع مكسورا كمن خاض لتوه مباراة خاسرة فى المصارعة مع خصم بغيض.
لا عجب فى تكرار هذا السيناريو الخطير مع رجال كثيرين ويشغلون مواقع طيبة ووظائفا جيدة، خدعتهم نواياهم الحسنة أو قلة خبراتهم ـ أو ضيق وقتهم، أو جرتهم أطماعهم إلى مصيدة قبول الحياة فى ملك العروس وفى قبضة يدها وتحت لسانها ورهن مزاجها ورضاها وغضبها، ولم تحل مواقع الكثيرين ممن حدث لهم ما تقدم من الطرد من بيت الزوجية الذى تملكه العروس دون تلقى الإهانات الوفيرة والثقيلة من العروس ذات الملك والدلال.
ولم تشفع لهؤلاء الأزواج المطرودين إلى الشارع المهانين بالمقارع كل لحظات الحب والود والهدايا والأنس، ولم يشفع لكل هؤلاء الأزواج كون العروس ذات الملك المصون حاملا فى طفل أو أكثر ولم يعن ذلك للعروس شيئا فى طنين السباب والإهانة والتحقير والمعايرة بالنقص والعوز وقصر ذات اليد والتذكير بفضل العروس الوديعة فى منح الرجل المهين مكان يأويه ويجعل منه رب أسرة، لم يشفع شيء، ولا يشفع لك شيء، إذا رضيت لنفسك أن تكون رجلا فى بيت امرأة يمكنها أن تقذف بك إلى الطريق فى لحظة غضب، ولو كنت بريئا من غضبها.
إن لكل شيء عدله وميزانه، ومن العدل والميزان فى قصة الزواج ألا تتزوج إذا كنت لا تملك، حفظ الله مصر دولة مدنية، وحفظ رئيسها ووفقه إلى الخير.