إذا تزوجت.. فكن مستقيما
لإن الحياة رحلة خطرة، ولو بدت سهلة يسيرة، فللإنسان قراره واختياره، ولكن شيئين لا يملكهما الرجل: منع انسياب الزمن وومرور الوقت، واسترداد ما قاله من رأى أو تعبير، فوجه الخطورة فى الحياة أن كثيرا من الأمور قد تبدو كمزحة، ولكنها تنتهى إلى غير ذلك بالمرة، بينما الزمن يمر ولا يعود إلى الوراء ليمحو ما زللنا إليه من خطأ أو يتيح لنا فرصة لإزالة ما قلنا وما اتخذنا من قرارات جرتنا معها إلى ما قد لا نحب.
كثير من المغريات قد تحيط بالإنسان – رجلا كان أو امرأة – فى مرحلة ما من حياته، وفى قصة الزواج والحب حكايات ياما ومغريات ياما من كل شكل ومن كل لون، وما قد يميز حكايات الزواج والحب أنها لا تعرف سنا معينا ولا تعرف مرحلة معينة من الحياة ولا من العمر، وقد تصادف الإنسان فى أية وقت ودون مناسبة، فكثير من الأعمال السينمائية وكثير من الأعمال الدرامية وكثير من الكتابات المحترفة وغير المحترفة قد تصور المغامرات العاطفية على هامش الزواج فى زى جميل ورشيق ومحبوب وفكاهى.
وكثير من السيدات أيضا قد يجدن فى الرجل المغامر شيئا لطيفا، وكثير منهن أيضا قد يدخلن فى مغامرات عاطفية على هامش الزواج، والمبررات كثيرة ولكنها تبقى إلى النهاية مجرد مبررات ولا تصنع أساسا مقبولا لإقامة علاقة عابرة أو خارجة على علاقة مقيمة وراسخة، فالعلاقة الأصل، وهى علاقة الزواج، أقيمت لتقوى وتستمر وتزدهر، ولم تقم لتكون مرنة وقابلة للمد والاتساع إلى جوار علاقات أخرى.
وهذا الجمود فى طبيعة العلاقة الزوجية مصمم لحمايتها وصيانة ما يبنى فى جنباتها على مر السنين من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن طبيعة الرجل والمرأة – فى الأساس – قد تنفر من العلاقات المتعددة فى ذات الوقت، ربما لأن العلاقات المتعددة فى آن واحد تحرم أنفسها جميعا من الحق فى الاطراد والتطور إلى علاقة قوية راسخة، لأن النمو والتطور من طبيعة الأشياء فى هذا الوجود، فكل شيء قد يميل إلى النمو والاتساع والزيادة، كما أن طبيعة الإنسان قد تميل إلى التباطؤ وإلى الركون وإلى القصور فى لحظة ما، لأن طاقة الإنسان ليست لا نهائية وحياته ليست أبدية أيضا.
ولذا، كان من المنطق أن يحرص الإنسان على صيانة العلاقة الراسخة والزود عنها ومراعاتها والبعد عما قد يؤذيها من علاقات عابرة قد تفسد ولا تشبع من جوع ولا تحسن إلى شيء، ففى النهاية، كل الإنسان إنسان، والجميع يتشابه فى حياته فى نقاط تقاطع معينة لا تفرق بين غنى وفقر ولا بين صاحب المركز وصاحب المخبز سواء كان رجلا أم امرأة بحيث يدرك الإنسان مهما اختلفت ظروفه حسنا وقبحا، فعلاقة الزواج هى علاقة أصل وتتعلق بالحياة وينبغى مراعاة قدسيتها ما دامت قائمة، ومراعاة عدم الزج بها فى صراعات مع مغامرات عابرة أو غير عابرة.
لقد أدت ثورة الاتصالات وسهولتها وظهور ما ظهر من وسائل التواصل الاجتماعى الكثيرة إلى حدوث هزة هائلة فى أنماط حياة الناس وفى تفكيرهم، لأنها أصبحت تضع كل يوم المزيد من الخيارات عند أطراف أصابع الإنسان وحيثما كان، فى بيته أو فى عمله أو فى سيارته أو فى وسيلة مواصلات أو فى سريره، وصارت هذه الاتصالات السهلة تخنق استقرار أمور كثيرة كانت فى أمان نسبى من التعرض لضغوط حياتية عاصفة، ومنها مسألة الزواج والحب، وأصبحنا جميعا ندرك اليوم أن مجتمعات الأمس لم تكن أبدا مجتمعات بائسة فى كل شيء، فحتى ضعف الاتصالات وغيابها وصعوبتها أسهموا جميعا فى استتباب تجارب كثيرة وأسهموا بقوة فى نجاة تلك التجارب واستمرارها وبالحد الأدنى من لوازم الحياة. ولذلك تشهد أيامنا هذه تراجع الكثيرين أيضا عن الاندماج والتوغل فى أزقة الاتصالات المفتوحة من كل صوب، بحيث تصبح لهم الخيرة فيما ينفذ إليهم وما ينفذون إليه.
إن الحياة الجادة الهانئة وقودها الصدق والأمانة ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا، فليس صدق الإنسان وأمانته بالعمل الهين ولا بالمراد السهل، ولكن الحياة تثبت كل يوم أنه ما من ناجح إلا وكان أمينا صادقا وفيا، وما من شيء خلا من صدق ومن أمانة إلا خاب وسقط وهوى إلى حيث بواقى الحياة ومخلفاتها، وما من شك فى حاجة الزواج والحب إلى صدق وأمانة وإخلاص يحفظون كل شيء جميلا، حفظ الله مصر دولة مدنية تتساوى فيها الحقوق والواجبات، وحفظ رئيسها ووفقه إلى الخير.