شوفى يا مصر
السياحة المعاملة وليست لغزًا سياسيًا
طلبت المواطنة الأوروبية مقابلة القنصل المصرى وعندما لقيت المسئول المصرى قالت: جئت لأسأل عدة أسئلة أردت أن أسمع بنفسى لأطمئن، نظر إليها القنصل ببشاشة واهتمام، فقالت: لو أنت سائح أجنبى فى بلدكم هل تستطيع أن تقضى وقتًا ممتعًا وحدك أو مع المرافقين لك؟ هل تستطيع أن تسير فى أمان فى مقصدك السياحى؟ هل الأسعار فى هذا المقصد السياحى مناسبة؟ هل تتعرض لتمييز مالى فى المعاملة فتدفع رسومًا أعلى من تلك التى يدفعها مواطنو المقصد السياحى لنفس الخدمة أو السلعة؟ هل تستمتع بحرية الحركة والتنقل دون خوف من اعتداء أو سرقة أو تحرش جنسى أو غير جنسى؟ هل تستمتع فى بلد المقصد السياحى ببيئة نظيفة؟ هل يوفر البللد السياحى رقابة صحية مقبولة على الأطعمة والمشروبات؟ هل هناك وسائل مواصلات عامة آمنة وجيدة الخدمة؟ هل هناك قيود على الحريات وعلى أماكن الترفيه؟ هل المقصد السياحى آمن ولا يعانى من اضطرابات عسكرية؟ هل هناك أمراض خطيرة منتشرة أو أوبئة فى البلد السياحى؟ أجاب القنصل بود على أسئلة المواطنة الأوروبية، وراح يفند لها مخاوفها الواحد تلو الآخر بكل ما يستطيع من أبواب الحقيقة والمنطقة حتى تبدل وجه السائلة ليصبح أكثر ارتياحًا عما بدا حين حضرت إلى البعثة، وشكرت القنصل المصرى على وقته ومساعدته لها .
قد تكون هذه صورة أو جزء من صورة لما يهم السائحين عن مصر وغيرها على حد سواء، فالناس واحد فى كل مكان وإن تباينوا قليلًا بحسب الظروف والطباع والأحوال.
فالناس تهتم – وخاصة فى أجازاتهم – بالحصول على الهدوء والخصوصية فى مقصدهم السياحى المختار، والناس تهتم وتبذل جهدها من أجل التأكد من أمن مقصدها السياحى، فلا يوجد من يقصد مواقع الاضطراب إلا لمقاصد أخرى لا علاقة لها بالسياحة، والناس – فى عمومها- قد تقضى وقتًا طويلًا وهى تدبر المال لأجازة ممتعة أو طيبة فى مقصد سياحى جميل، فلا يوجد – فى عموم الناس – من يأت بمال سهل لا عناء فيه لينفقه بلا مبالاة، وما من أحد من الناس يفرح لاكتشافه أنه سدد مبالغ كبيرة مقابل أشياء رخيصة، ولا يوجد من الناس من يفرح عندما يكتشف أنه يدفع رسومًا أعلى أو أضعاف ما يدفعه مواطن المقصد السياحى مقابل نفس الخدمة أو مقابل دخول متحف أو غير ذلك.
الناس هم الناس وأكل أموالهم بالباطل حرام ومسلك إنسانى خاطئ ومرفوض بالفطرة، ناهيك عن القانون وعن مصلحة الدولة، ولا يوجد من يفرح عندما يجد سائق التاكسى يبتزه - وبشكل فاضح – ليدفع أكثر مما يجب، ولا يوجد من الناس من يسعده مطاردة المتسولين وقيامهم بلمسه لإجباره على منحهم شيئًا، لا يوجد من الناس من يسعده ألا يجد فى مقصده السياحى قطارًا نظيفًا أو أتوبيسًا عامًا نظيفًا يقله عبر أنحاء البلاد، ولا يوجد من الناس من يسعده أن يكتشف أنه وقع ضحية نصب وغش فى مقصده السياحى واشترى قطعة من الحديد أو النحاس بمبلغ كبير بدلًا من طبق من الفضة المحترمة.
لا يوجد من يحب أن يسير فى شوارع تحتل القمامة أركانها وليست السياحة سياسة ولا مؤتمرات حزبية ولا كلامًا أفلاطونيًا أو كلامًا ملغومًا بالألغاز والتنظيرات الغريبة، فالواقع يقول إن السياحة خدمة أو سلعة بمقابل من مضيف لضيف، فإما أن تكون خدمة أو سلعة منافسة لسواها ومحفزة للراغبين على قبولها والإقبال عليها بحبور، فيسعد بذلك مقدم الخدمة أو بائع السلعة ومشتريها، وإما أن تكون خدمة أو سلعة عطبة لا يقبلها أحد ولا تغنى أحدًا بفضلها.
أما الإعلانات الباهظة والجولات المكوكية فقد لا تضيف إلينا شيئًا سوى الخسارة المادية التى لا تحتاج إليها بلدنا، لأن هذه الإعلانات والجولات لا تصلح من عيوب السياحة فى الداخل شيئًا مما ينفر السائح مننا، بل إن هذه الإعلانات والجولات قد تبدو مسكنًا للداخل واستجداءً مقيتًا للخارج.. حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه وقادتنا إلى ما فيه الخير.