«الكمبوشة» كيف ظهرت ولماذا اختفت؟! (1-2)
«الكمبوشة» هل سمعت هذه الكلمة من قبل أو تعرف ماذا تعنى؟
هى كلمة مرتبطة بأعظم أنواع الفنون "فالكمبوشة" كانت من أساسيات العمل المسرحى منذ نشأته، هى صندوق خشبى بداخله رجل يمتلك مفاتيح الممثل، الذى يضع كامل ثقته فى ذلك الملقن القابع فى الظل، يردد وراءه كلمات فقدها بفعل النسيان، ويتحرك وفق إشارة منه، وكأنه "يوسوس" للمشخصاتى بالإفيه، ومفتاح الدخول والخروج من المشهد.
كانت "الكمبوشة " تصمم باستدارة فى سقفها وظهرها ومغلقة الجانبين لتساعد على إيصال الصوت إلى آذان الممثل بوضوح، فكانت عبارة عن فتحة فى أرضية خشبة المسرح تصمم مع تصميم المسرح من البداية وتكون بزاوية ميل 5 درجات بارتفاع من 30 إلى 40 سنتيمترا، وتصمم لراحة الملقن بحيث يكون ساند بكتفيه على خشبة المسرح، ومن أهم احتياجات الملقن داخل الكمبوشة "كشافات الإضاءة"، وهناك كشاف أساسى وآخر احتياطى بالإضافة إلى السيناريو وزجاجة مياه، وإذا كان العرض من العروض الطويلة فلابد من كوب "ينسون"، إلى جانب لمبات احتياطية للكشاف.
ويقول الأستاذ ألفريد فرج، فى مقاله له بعنوان "ليالى الكمبوشة وما بعدها!": "ولكن أهم دائمًا من تصميم الكمبوشة صنعة الملقن وتدريبه كما يتدرب الممثل، وغالبا يكون الملقن من أهل الكار، أى ممثلًا لم ينجح فسقط فى الكمبوشة، أو أحد مساعدى المخرج أو مساعدى مدير خشبة المسرح أو الكومبارس، وهؤلاء تجذبهم دائمًا فكرة التمثيل فى الأضواء وتستهويهم، ومنهم من ينسى نفسه فى خفاء الكمبوشة وينفعل مع دور البطولة، ويندمج فيه وينسى الممثلين فوق المنصة، ويمعن فى التمثيل والتشخيص همسًا، أو قد يرتفع صوته قليلًا".
خلاصة القول أن الملقن كان من أعمدة الفرق المبدعة فى مسرح "الريبرتوار" أى مسرح المسرحيات العديدة التى تعرضها الفرق أسبوعًا بعد أسبوع، أو يومًا بعد يوم.
وكان الملقن يحضر بروفات الترابيزة ثم بروفات الحركة ويعتبر جزءًا من العمل المسرحى لا يمكن الاستغناء عنه، وكان لابد أن يتمتع بالإحساس العالى وسرعة البديهة وأن يتفرغ للعمل المسرحى ويركز عليه، وكان سماع الجمهور لصوت الملقن يعنى عدم حرفية الملقن، ويؤدى إلى ارتباك الممثل وعدم التزامه بحركة الدخول والخروج للخشبة، فصنعة التلقين كانت لها تقنياتها وكان لها فنها، وكان بعض الملقنين الجهابذة معروفين بارتياح أكبر النجوم لهم وتمسكهم بهم.
وصنعة الملقن تقتضى أن يسبق الممثل دائمًا، لا أن يتعثر وراءه، حيث لا يجدى التلقين بعد نطق الممثل، وتقتضى أيضًا أن تكون مخارج الحروف لديه واضحة ورنانة بالهمس والصوت الخافت، الذى لا يصل إلى مشاهدى الصف الأول ولكنه يصل إلى آذان الممثل بوضوح، وهذا ما يفسر لنا تصميم الكمبوشة بالشكل الذى ذكرنا.
أما أسباب ظهور ساكن الكمبوشة، كان الممثل فى الماضى بحاجة إلى الملقن لأن الفرقة المسرحية كانت تقدم فى الموسم الواحد العديد من المسرحيات وكان الممثل الواحد يقوم بدور فى كل من مسرحيات الموسم.
كما أن المسرح فى عهد يوسف وهبى كان يقدم فى الموسم الشتوى ـ أى من شهر أكتوبر إلى نهاية شهر مارس ـ مسرحية جديدة كل أسبوع بواقع 24 مسرحية مختلفة ثم يقوم برحلة الأقاليم حيث يقدم فى كل إقليم موسمًا صغيرًا، عبارة عن مسرحية كل ليلة من مسرحيات الموسم الشتوى، فإذا أقبل الصيف انتقل الفريق إلى الشواطئ وإلى سوريا ولبنان وفلسطين، ليقدم كل ليلة مسرحية فى كل من المدن التى يزورها.
وكانت بعض المسارح تضطر فى بداية عرض المسرحية فى الأسابيع الأولى للعرض للاستعانة بالكمبوشة ومنها مسرح الريحانى الذى يقدم عليه العرض المسرحى "مراتى زعيم عصابة" واضطررنا للاستعانة بالكمبوشة فى الأسبوع الأول للعرض للتأكيد على حفظ الممثلين.
فى تلك الأيام كان جورج أبيض يقدم عشر مسرحيات فى الموسم وممثلو الفرقة يشاركونه القيام بأدوار فى هذه المسرحيات كلها ويحفظون أدوارهم عن ظهر قلب ولكنهم يحتاجون دائمًا إلى الملقن فى سباق الماراثون إلى الجمهور بمسرحية مختلفة كل ليلة أو كل أسبوع، أو مسرحية فى حفل السواريه تختلف عن مسرحية حفل الماتينيه، فكيف يمكن أن يحفظ الممثل أدواره كلها دون الاطمئنان على وجود الملقن فى الكمبوشة التقليدية؟!
هذه هى "الكمبوشة" ودواعى ظهورها ودور ساكنها – الملقن - لكن لماذا؟ وكيف؟ اختفت "الكمبوشة" هذا ما سوف نجيب عليه فى المقال المقبل.