رحيل
رمقنى وأنا أحمل فى حقيبتى همومَ أعوامٍ ماضية، أحزانَ سنواتٍ مقبلة، أحمل أوراقـى، وقلـمى، ومـدادى، ودليـلَ ميـلادى، وشـهادةَ وفـاتى، وبـطاقتى التـالفة ...
- ما .. ماذا .. ماذا تفعل؟
كنتُ قد قررتُ الرحيل ...
- انتظر ..
بالأمس خرج الليلُ من رحم الظلام، وشبَّ عملاقًا، وأشعل فى أفقنا النار ...
- انتظر
صببتُ الماءَ على النار، فلم تنطفئ ...
- أتريد الرحيل؟
عانق الماءُ النار ...
- تريث ..
نام الريحُ فى حضن التراب ...
- اصبر حتى الصباح ..
دثر الليلُ النهار ...
- تكلَّم
كمم الصمتُ أفواه الكلام ..
- إلى أين ؟
لا أدرى ...
- لحظة، سأودعك ..
ترصدنا العيون المبعثرة فى الهواء المعتم، وتطلق شررًا، وتتنصتنا الآذان المعلقة على الأعمدة المطفأة، وتتبعنا الأقدام الحافية، ونبلغ بوابةَ المكان، شائكة مغلقة بسلاسل وأقفال ...
- ألن أخرج؟
- أمازلتَ تريد الخروج؟
- ألا ترى؟
- ألن تصبر؟
- لن أصبر ..
رجع إلى الوراء، اندفع راطمًا البوابة بجسده، وانغرس لحمه فى شوكها، وتساقط لحم وجهى، دنت الأقدام منى، أخرجتُ شفرتى، وتقهقرتُ، قطعتُ شريان يدى، على الأرض تفرق دمى، أما دمه فكان يذرف، يخطُّ أرضًا ونهرًا وبيتًا .