”العصر الذهبى للغناء المصرى” فى كتاب الهلال
يجد قارئ كتاب "العصر الذهبى للغناء المصرى.. مواقف وحكايات" اهتمامًا خاصًا من مؤلفه الدكتور نبيل حنفى محمود بتسجيل السياق الاجتماعى والسياسى المصاحب للظاهرة الغنائية التى اجتذبت أبرز المطربين العرب إلى القاهرة منذ بدايات القرن العشرين.
ففى الكتاب الذى أصدرته سلسلة "كتاب الهلال" الشهرية يسجل المؤلف وقائع جرت فى مواقع اختفت، وأصبح مثل هذا الكتاب توثيقًا لتلك الروح الغائبة، فتحت عنوان "مسرح الباخرة سودان" يذكر أن الإذاعة المصرية منذ تأسيسها رسميًا فى منتصف الثلاثينيات كانت تقدم أفكارًا مبتكرة فى برامجها، إذ خرجت الحفلات الغنائية من ضيق القاعات والمسارح، إلى آفاق أكثر رحابة فى المنتزهات والمواقع التاريخية، فهناك حفلات غنائية أقيمت تحت سفح الأهرام واشتهرت حديقة الأندلس بتنظيم الكثير من الحفلات، ثم كانت "الباخرة سودان.. مسرح الإذاعة العائم"، حيث ردت الإذاعة الجميل لعشاقها المحبين لنهر النيل بإقامة مسرح عائم كامل المعدات، ونقلت منه حفلات غنائية منذ يونيو 1954، وشارك فى تلك الحفلات فرقة موسيقى الإذاعة ومطربون منهم شهرزاد، وعبدالحليم حافظ، وعبدالعزيز محمود، ورجاء عبده، وكارم محمود، ونازك، ولور داكاش، عبدالغنى السيد، وجلال حرب، وثريا حلمى، ومحمود شكوكو.
ويقول المؤلف فى مقدمة الكتاب إنه ما من فن إلا كان تعبيرًا عن موقف لمبدعه، إزاء ما شب فيه من بيئة أو مجتمع، وجراء ما عرض له من قضايا وأحداث، ويأتى الغناء فى مقدمة الفنون التى عبرت عن مواقف مبدعيها، فمن يقرأ تاريخ الغناء ومدوناته، يرصد كثيرا من مواقف مبدعيه بغنائهم، إزاء أوطانهم ومجتمعاتهم، وما اكتنف حيواتهم من أحداث ومشاعر، وقد ارتبطت – أو تشكلت – تلك المواقف بحكايات تناثرت فى ثنايا المصادر التاريخية، وإن هذا الكتاب يضم الكثير من هذه المواقف والحكايات خلال العصر الذهبى للغناء المصرى، ذلك العصر الذى امتد لقرابة نصف قرن، بين عشرينيات ومطلع سبعينيات القرن العشرين، وبلغ فيه الغناء المتقن ذروة النضج والاكتمال.
والمواقف والحكايات تم انتقاؤها من بين فيض هائل حفظته الكتب والدوريات التى أرخت لذلك العصر، لتعبر عما انحاز إليه جمهور أهل الغناء أو معظمهم من مواقف فكرية أو سياسية، بينما تؤكد الحكايات التى تجىء فى سياق الكتاب على كنه هذه المواقف، وما انطوى عليه الغناء فى ذلك العصر من ثراء المضمون، وما تميز به من تلقائية التفاعل، والمواقف الجماعية لأهل الغناء من الدفاع عن الوطن، إضافة إلى رصد غنائيات أديرت حول الزعماء، ومن الحكايات التى أثبتت فى هذا الكتاب وجرت خلال ذلك العصر، وكانت شاهدًا على تفرد إبداعاته وقيمة مواهب نجومه، بعض من حكايات كثيرة لحفلات مسرحية أحياها النجمان الأطول عمرًا على المسرح: أم كلثوم وفريد الأطرش، ومن الحكايات التى زها بها ذلك العصر وحوتها بعض فصول هذا الكتاب حكاية الإذاعات الأهلية، وحكاية العام الأول لبرنامج "صوت العرب" فى الإذاعة المصرية، وحكايات من حفلات الخمسينيات.
وعلى الرغم التخصص العلمى للدكتور نبيل حنفى محمود ـ الرئيس السابق لقسم هندسة القوى الميكانيكية بكلية الهندسة بجامعة المنوفية ـ إلا أنه مؤرخ استطاع أن يوثق بدقة وموضوعية جوانب مهمة من تاريخ الموسيقى الغناء، منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومن كتبه فى هذا الشأن: "هكذا غنى المصريون.. الأغانى المصرية فى المناسبات الدينية والسياسية" و"فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائى". وله أيضًا كتاب بعنوان "نجوم العصر الذهبى لدولة التلاوة".