أساطير مصرية «2»:أبناء «رع»
تحدثنا فى الحلقة السابقة عن تمكن ”إيزيس” بدهائها من معرفة الاسم المخفى لـ”رع”، ولم نتحدث عن أبنائه الذين حكموا مصر من بعده، وللحديث عن الأبناء يوجب أولًا معرفة الظروف السياسية والاجتماعية المتعلقة بفترة هذه الأسطورة، والتى جرت أحداثها أواخر عصر الأسرة الرابعة من الدولة القديمة 2686 - 2181 ق م، والتى بنيت الأهرامات، وتشمل الأسرات 3 و 4 و5 و6، وتتميز ببناء الأهرامات التى تمتد فى الصحراء الغربية، فى خط يبدأ بالقرب من القاهرة حتى ميدوم فى مدخل الفيوم، ولذلك نستطيع تسمية عصر الدولة القديمة بعصر بناة الأهرامات، وقد اختلفت الآراء فى كيفية بناء الأهرام، فهناك نظرية الطفو فى رفع الأحجار، وأخرى ترى أن الأهرام كانت مصممة بحيث تنتج الطاقة، وعمومًا نستطيع القول إن إرجاع تطور تصميم المقبرة الملكية، التى أخذت الشكل الهرمى يرجع إلى البلو برينت الأول، الذى كان على شكل مصطبة فى العصر العتيق، وساعد تطور الفنون والصناعات والعمارة، على وصول الهرم إلى الشكل الرائع الذى عرفناه فى دقة صنعه، وأركانه تشير إلى الجهات الأربع الأصلية.
وحاول بيجين نسب بناء الأهرامات إلى اليهود، إلا أن السادات رد عليه مفحمًا إياه، قائلًا: إن اليهود ساعتها لم يكونوا قد وُجدوا بعد، ويعتبر نثرى خت الذى نعرفه باسم زوسر صاحب أول أهرامات الدولة القديمة، ويشير هرم زوسر المدرج بسقاره إلى ارتفاع قدر الملك وسموه وتعاليه فوق البشر، أو صفته المقدسة، حتى أن اسمه نثرى خت يشير إلى طبيعته الآلهية، ومثلما أشرت من قبل حين الحديث عن أول نظرية للخلق فى تاسوع أون، حيث كان حورس الملك ابن الآلهة أزيس وأزوريس، نجد أن نثرى خت أو زوسر من سلالة آلهية ولكنه جاء كملك، وأعتقد أن الفكرة نفسها جاءت فى ملحمة هوميروس الإلياذة والأوديسة، فأخيل - مثلًا - جاء من لقاء إلهى بين جوبيتر وإنسانة أرضية، وعندما تم تعميده وغسله فى المياه المقدسة، لم تنتبه والدته لإغفالها غسل كعبه، الذى كانت تمسكه منه، وكانت نقطة ضعفه لا يموت إلا منها، وجاءت من هنا حكاية كعب أخيل الذى كان بطلًا فى حروب طروادة.
نعود إلى هرم زوسر المدرج فى تصميمه، لنقول إنه يشير أيضًا إلى أن الملك سيصعد على هذا الدرج إلى السماء، عندما يرحل عن الدنيا بوفاته، حتى يلحق بركب إله الشمس "رع"، كما جاء فى نصوص الأهرام، وتطور هذا الفكر إلى الشكل الهرمى المبهر، الذى كان أملسًا بخلاف صورته الحالية، وكان يعكس الشمس فى قمته المكسوة بصفائح الذهب، مثلها فى ذلك مثل القمة الهرمية للمسلات المتناثرة فى روما وباريس ومعبد الكرنك، وقد استمر الشكل الهرمى لحوالى ألف عام، حتى عصر الدولة الحديثة، وبالتحديد فى أثناء الأسرة 18، وبعكس الفكرة السائدة أن الأهرامات كانت تبنى بمساعدة العبيد، كما شرح العديد من اليهود الذين كانوا يدعون شغفهم بالمصريات، كانت المقابر المحيطة بالهرم تبنى للعمال والمهندسين والعاملين مع الملك، تكريمًا لهم على تعبهم وتفانيهم فى بناء تلك الأهرامات.
أعود لأستكمل سرد أسماء ملوك الأسرة الرابعة: الأسرة الرابعة من حوالى 2613 ق م إلى حوالى 2494 ق م: سنفرو خوفو رع د د ف خع إف رع من كاو رع شبسس كا إف، ونلاحظ هنا تكرار أسماء أبناء الإله ”رع” الذين كانوا يحكمون مصر بعد ملوك عظماء وأقوياء ويحكمون كآلهة.. مثل سنفرو وخوفو اللذين حكما مصر بقوة سرهم الإلهى والاسم المخفى، وحققا إنجازات عظيمة فى مختلف مناحى الحياة، من تنظيم للرى، إلى علوم الفلك والطب، والتقدم بخطى سريعة فى تصنيع الأسلحة وأدوات الزراعة، ولكن هذه القوة فى الحكم المركزى الذى كان ديكتاتوريًا وإلهيًا فى أعين الشعب، أدت إلى حالة من التذمر وعدم الرضا، وكانت نصيحة الكهنة لباقى ملوك الأسرة الرابعة، أن يحكموا كأبناء للآلهه وليس كآلهة، ومع ذلك توالت محاولات الكهنة وآخرين لإزاحة هذه الأسرة القوية عن الحكم، ونجحت المحاولات بالفعل، وانتقل الحكم إلى الأسرة الخامسة ثم إلى السادسة، إلى أن قامت أول ثورة شعبية حقيقية، نتيجة استيقاظ الوعى القومى فى نهاية حكم الأسرة السادسة، ضد الملك بيبى الأول وابنه بيبى الثانى بسبب التوريث، وتسبب ذلك فى حدوث فترة الاضمحلال الأولى، واستمرار الأسرات من السابعة حتى العاشرة.. "وللحديث بقية".