أساطير مصرية 3: بردية ”وستكار”
نعود إلى أسطورة أبناء ” رع ”، والتى تكشف لنا محاولات الانقلاب ضدهم، والتى تقول بأنها قد حدثت بمشيئة الاله ”رع ”، ووجدت الأسطورة مكتوبة على بردية مهمة وطويلة اشتراها ( وستكار)، وسميت لذلك باسمه وكانت محفوظة فى متحف برلين، ونصها: ” حدث ذات يوم أن شعر جلالة الملك خوفو بملل، فدعا أولاده وطلب منهم أن يحدثوه بما يزيل عنه السأم، وبما يدخل السرور والغبطة إلى قلبه ، فتقدم ابنه ”خع إف رع ” وقال : هناك قصة حدثت فى عصر جدنا الأكبرالملك ” نب كا ”، إذ ذهب هذا الجد فى يوم من الأيام الى معبد ” بتاح ”، وفى طريقه عرج على منزل أحد الكهنة المرتلين ويدعى ” أوبانز ”، وكان من بين حاشية الملك خادم وقع فى حب إمرأة الكاهن من أول نظرة .
وتبادلت هى معه هذا الحب، وفى المساء أرسلت زوجة الكاهن إلى الخادم صندوقًا يحتوى على هدية جميلة، وطلبت منه أن يقابلها فى (كشكها) الصيفى، بحديقتها الكبيرة هناك وتمتعا بأوقات طيبة فى خلوتهما هذه، وكان يراقبهما خادم للكاهن، ورأى من واجبه أن يطلع سيده على كل ماحدث، فذهل الكاهن لهول ماسمع وصمم على الإنتقام، وقد كان من الرجال الذين تعمقوا فى شؤون السحر وأتقنوها، فطلب صندوقًا من العاج المحلى بالذهب، ثم صنع تمثالاً من الشمع لتمساح يبلغ طوله سبعة قراريط وقرأ عليه تعويذة سحرية، وطلب إلى خادمه أن يذهب فى المساء الى البركة التى إعتاد الحبيبان أن يستحما فيها، فيلقى بتمثال الشمع فى الماء، وبعد لحظة قصيرة حضر العشيق ليستحم فى تلك البركة، وما كاد ينزل فى الماء حتى تحول ذلك التمثال الصغير الى تمساح ضخم يبلغ طولة سبعة أذرع ولأمسك بتلابيب العشيق وسحبه الى قاع البركة، وكان الملك يجلس فى ضيافة كاهنة المرتل، وعندما أراد الإنصراف تقدم اليه الكاهن يرجوه أن يحضر الى البركة ليرى بعينية أعجوبة حدثت له، وما كادا يصلان الى حافة البركة حتى نادى الكاهن التمساح فخرج الى سطح الماء ممسكا فى فمه العشيق وقال الكاهن موجها كلامه الى الملك : إن هذا التمساح من صنع يدى وهو ينفذ كل ماأطلبه منه، ولكن الملك أمر الكاهن أن يعيد الحيوان الى الماء، إلا ان الكاهن أمسك بالحيوان فاستحال بين يديه الى تمثال من الشمع صغير الحجم، وقص على الملك قصة زوجته مع خادم الملك.
فأمر الملك أن يظل التمساح ممسكًا بخادمه، وأن يرجعا سويا الى قاع البركه، وهذا ماحدث وأختفى العشيق إلى الأبد، ثم طلب الملك إحضار زوجة الكاهن، وأن تحرق وأن يلقوا برماد جسدها فى النيل. فسر الملك خوفو من هذه القصة، وأمر بتقديم قرابين الى روح الملك ”نب كا”، مكونة من ألف رغيف ومائة آنية من الجعة وثورًا كاملاً وآنيتين مملوئتين بالبخور، كما أمر بتقديم رغيف واحد وآنية واحدة من الجعة وآنية واحدة من البخور وقطعة من اللحم الى روح الكاهن ”أوبانز”، ثم تقدم ابن آخر وقص عليه قصة حدثت فى عصر الملك ”سنفرو”، الذى شعر هو الاخر فى أحد أيام حياته بالضجر، فأمر أتباعه أن يرووا له مايزيل عن نفسه إنقباضها، فاقترح عليه كبير كهنته ان يأمر بإعداد قارب كبير ليتنزه فيه فوق سطح بحيرة القصر، على أن يقوم بالتجديف أجمل نساء قصره، فأعجبت الفكرة الملك وأمر أن تكون المجاديف من الأبنوس المحلى بالذهب، وأن تكون أطرافها رقيقة خفيفة، كما أمر بإحضار عشرين من أجمل بنات القصر، ليقمن بتحريك القارب وهن ينشدن أحلى الآغانى، وفجأة كفت النساء عن الغناء ، فاستفسر الملك عن الأمر فقالت له إحدى السيدات: إن رئيستنا قد فقدت حلية سقطت منها فى قاع البحيرة، فأمرها الملك أن تعودالى غنائها وسوف يعوضها عنها بالأحسن منها، ولكنها رفضت الغناء وقالت : أيها الملك ،إن قلبى حزين ولا أريد إلا حليتى كما هى، فنادى الملك رئيس كهنته وأخبره بالحادث.
وطلب اليه أن يعيد إلى السيدة حليتها، وبالفعل قام هذا الكاهن بقراءة تعويذه سحرية، واذ بالماء ينشق وظهرت الحلية فى قاع البحيرة، وقد إستقرت فوق قطعة من الخزف، ونزل الكاهن من القارب وأحضر الحلية وسلمها الى صاحبتها، ثم أعاد الكرة وتمتم بتعويذته فرجع الماء إلى ماكان عليه، واستمر الجمع فى مرحه، وإختتم الملك يومه بالفرح والسرور، وأعجبت هذه القصة الملك ” خوفو ” وقدم القرابين إلى روح أبيه الملك ”سنفرو ” كما أمر بتقديم القرابين الى روح رئيس الكهنة، ونستكمل معا في الحلقة المقبلة باقى بردية "وستكار"، وحكاية الابن الثالث لأبيه الملك ” خوفو”.