الطبقة الوسطى وهموم الثقافة
كانت الطبقة الوسطى ركيزة الثقافة والتنوير في عالمنا العربي، ويعود إليها الفضل في تأسيس حركة ثقافية فاعلة في مصر، مع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
فحمل الإمام محمد عبده ثم تلميذه عبد الله النديم شعلة الثقافة، رافعين شعار التنوير، الذي أتاح لأجيال من مختلف الأقطار العربية قطف ثماره، وأثمرت الثقافة عن بروز التيار الوطني المطالب باستقلال مصر، والذي قاده مصطفى كامل، ثم محمد فريد فسعد زغلول ومصطفى النحاس، وأحتضنت مصر كتابات عبد الرحمن الكوكبي المناهضة للإستبداد، وتسامقت الدراسات الأدبية والنقدية والتراثية على أيادي كوكبة من أبناء الطبقة الوسطى، مثل د. طه حسين وعباس محمود العقاد والدكاترة زكي مبارك لتمهد الطريق للجيل التالي من أمثال محمد مندور وشوقي ضيف وسهير القلماوي، وشهدت السنوات الأولى من القرن، انبعاث الشعر العربي من مرقدة على يد محمود سامي البارودي، ثم أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ليسترد رونقه وجزالة ألفاظه وقوة تعبيراته، وأيضا مولد "زينب" أول رواية عربية على يد د.محمد حسين هيكل، ليتوالى بعدها الإبداع، "مليم الأكبر" لعادل كامل، و"كفاح طبية" لنجيب محفوظ، ويبرز فن القصة وتتضح سماته على يد يحيى حقي ويوسف إدريس.
وكل هذه الأسماء أو معظمها أنتمت إلى الطبقة الوسطى، التي ألقى استاذنا نجيب محفوظ الضوء عليها في ثلاثيته الشهيرة.
وللأسف فأن الظروف الاقتصادية التي مرت بها مصر خلال الخمسين سنة الفائتة، أدت إلى اضمحلال دور الطبقة الوسطى وغيابها عن ساحة العمل العام والإبداعي، والنتيجة : تدهور الشأن الثقافي، وسقوط الساحة في أيادي المدعين.