ولد الهدى
تحتفل أمتنا الإسلامية بعد غد "الأحد"، بالمولد النبوى الشريف بما تحمل هذه الذكرى من دلالات عظيمة، إذ لم تكن مصادفة أن يولد الرسول صلى الله عليه وسلم فى عام الفيل الذى شهد اندحار قوى الشر ممثلة فى أبرهة وجيشه، وإنما كانت بشارة للبشرية من المولى - جلت قدرته - بنقلة من الظلمات إلى النور، وبزوغ عهد جديد للإنسانية، عهد تتحرر فيه من دهاليز الباطل، لتتبع قائد آتى برسالة ربانية فيها خلاص البشرية وصلاحها.
فمولده صلى الله عليه وسلم، مثّل نقلة غيرت الكثير من مفاهيم البشرية حول القيم والأعراف السائدة، وأحدثت ثورة عظيمة الأثر فى روح الانسان وعقله، وألغت مفاهيم بالية ظالمة، وكرست أكمل منظومة للحقوق عرفها التاريخ الإنسانى، منظومة لم تكتف بتقرير حقوق البشر فى حياتهم فقط، وإنما شملت تقرير حقوق لهم قبل أن يولدوا وبعد وفاتهم، مثل اختيار الأم الصالحة وتحريم الاجهاض - إلا إذا خشى على حياة الأم - وتحسين أسماء الأبناء، ورفض أى امتهان لحرمة الميت، وغير ذلك من الأمور التى لم ترد فى أى ميثاق من مواثيق حقوق الإنسان، التى عرفها البشر فى شتى عصور التاريخ.
ثم كفى شرفًا أن تكون أول كلمة يتلقاها محمد عليه الصلاة والسلام من الوحى"اقرأ"، كلمة من أربعة أحرف مثلت على قلة حروفها وبساطتها دستورًا للتنوير، فالقراءة بوابة المعرفة، والمعرفة بداية الطريق للإيمان بالخالق، والتسلح بأسباب القوة، ولهذا كانت بداية الوحى بهذه اللفظة، للدلالة على ما يريده الله من أمة الإسلام، وهو الإيمان بالقلب والعقل معًا.