«السرد القصصى» فى عناوين قصائد «دم البراءة»
ثمانٍ وعشرون قصيدة هى مجموع قصائد ديوان "دم البراءة" للشاعرة ريم صلاح، وفيها يتجلى الألم الأنثوى والمشاعر المتناقضة للأنثى وتراجيديا الواقع الإنسانى.. واللاشعور له منطقه وله كلمته، فمن حيث لم تدرِ، ولم تحتسب الذات الشاعرة، قام اللاشعور وصاغ عناوين القصائد الثمانى والعشرين على نحو مذهل.
وتطالعنا عندما نقرأ عناوين القصائد متتالية سردية قصصية تكشف ذات الشاعرة وعلاقتها بالآخر "الرجل – الحب – المجتمع ومشكلاته – الإنسانية وهمومها"، وملامح غاية فى الذاتية مثل السادية والمازوخية والاكتئاب، وهى حالات تفقد صاحبها كل فرص الاستمتاع بالحياة، بل ويزداد الاتهام للذات بالدونية... إلخ، وكذلك تظهر فى الديوان الأنثى المتمردة والمسكينة والمنكسرة والحبيبة العاشقة والهاجرة والمهجورة فى آنٍ واحد، ولغة واضحة كالشمس حينًا وأحيانًا غائمة كالضباب، وتتداعى الكلمات مقدمة لوحات تشكيلية للحياة تترجمها الألفاظ الحزينة للشاعرة، الباحثة عن فضاء يضمها وكلماتها، وعن سماء بحجم ورق الكتابة.
وغلبت المباشرة على قصائد الديوان، ربما لأن الشاعرة ذات طبيعة ثورية، ترفض ما لا تقتنع به، وهذه الحالة الثورية تستوجب ألفاظًا زاعقة لتصل إلى غايتها.
وفى القصيدة الأولى "دم البراءة" تحكى ريم صلاح مأساة طفلة تكابد الحياة، وتنتقل ما بين كنفى العم والخال بعد فقد الأب والأم، وعند قبر أمها وهى بنت 12 عامًا تتخيل أن الوحوش والغيلان تقتلها، وتترجم تفاصيل الناس الواقفة تتفرج إحساسها بعدم الأمان، لذا تبحث بين الحشود عن وجه الأب الغائب:
وكأنها بالعين بتدوّر
جوّه وشوش الخلق عليه
وعلى هذا المنوال التراجيدى تسير القصائد التالية، وتأتى القصيدة الثانية بعنوان "بالحب تحييني" وكأن الذات الشاعرة تريد التأكيد أن البنت التى ماتت فى القصيدة الأولى، لو وجدت الحب الحقيقى فى دنيا الإنسان، لعاشت حياة سعيدة فالحب وحده سيحييها، ولكنها لم تجده فماتت:
عاشت موت من قبل الموت
ماتت حتى بدون عنوان
وتراب الأرض اللى أواها
أرحم من دنيا الإنسان
وتتوالى قصائد الديوان على هذا النسق مشبعة بالألم والحزن والثورة، فالقصة ليست قصة بنت صغيرة، ولكنها قصة ألم المرأة فى كل زمان ومكان، لهذا نجدها فى القصيدة الثالثة "بنت بنوت"، تنحاز إلى قضية تخص الأنثى، وخاصة الآنسة التى لم تتزوج وعبث الرجال بها بوعود زواج غير صادقة، لتفيق من غيبوبة الحب وتتمرد على من خانوها:
وطول م أنت ف هواك خوّان
أنا حرمى الهوى برّه
وأعلن ع الغرام عصيان
والخوف فى القصيدة الخامسة "يا خوفى"، يجسد واقعًا تحياه الفتاة فى مجتمعنا، فهى أما تصير دمية تنفذ ما يطلب منها، أو تصير إلى الضياع، وهو مصير يؤرقها ويخيفها، لكنها لا تلبث وتتماسك مطالبة المجتمع بمراجعة واقعه:
راجع نفسك
واقعد ولو ساعتين مع قلبك
جايز تلقى حاجات تشفع لى
وتستمر الشاعرة فى قصائدها على هذا المنوال بألفاظ موسيقية حالمة شديدة الرقة تارة، وشديدة التوحش أخرى، ففى القصيدة الثامنة "اسمه الحب"، نكتشف أن التمرد ديدنها، فهى تتمرد على الحب وتعتبره ضعفًا واستسلامًا، خاصة حين يكون المحب غير صادق، لكنها لا تلبث أن تعلن قدرتها على الغفران والتسامح، تقول فى قصيدة "حساب جديد":
أحلف ما تكدب يوم
وأنا ح أنسى أى هموم
ح أقفل حساب الوجع
والحزن والتنهيد
وأفتح معاك م اليوم
ياحبيبى
كشف جديد
وتمثل قصيدة "فى المراية" الدوامة التى تحياها، فالمراية تمثل انعكاس صورة المرآة مع صورة الذات، والشاعرة ترى وجهها الآخر فى المرآة وتبحث عن صورتها الحقيقية فيها فتصرخ:
مين اللى واقفة
فى المراية تبصلى؟
وكأنها بالشكل ده
جيالى قاصدة تهدنى
وتأتى قصيدة "باغير" لتوضح أن الشعور بالغيرة مرده النفسى افتقاد الذات للاهتمام فى ظل الاهتمام بالآخر المغاير عليه:
باغير يا حبيبى ما انكرشى
وبامشى الغيرة بالمشاوير
ومين ياحبيبى تعشقها
وهى عليك ما لحظة تغير؟
وسرعان ما ترفض الذات الشاعرة الاستسلام للقهر فتعلن فى "صرخة وجع" تمردها مناشدة الآخرين مشاركتها رفض الظلم ورفع صوتهم بذلك، فإعلاء صوت الرفض بداية الثورة على السلطة سواء أكانت الرجل أو التقاليد وبداية تصحيح الأمور الخاطئة:
الصرخة مش أبدًا حرام
ومدام شعور الانهزام
جواكو من كتر الوجع
يبقى اصرخوا